سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

منبج في عين المجهر التركي

آزاد كردي

من المضحك المُبكي أن الرئيس التركي أردوغان كلما عزم على شن هجمات احتلالية باتجاه مناطق شمال وشرق سوريا من خلال تصريحاته الجدلية بحجة الحفاظ على أمنه القومي، خصّ بالذكر (منبج) مع العلم أن حلمه التوسعي في سوريا لا يقف عند هذا الحد إطلاقاً.
وفي أكثر من مرة يخرج أردوغان على الملأ والرأي العام عبر وسائل الإعلام مجدداً خطابه حول نيته؛ القيام بعملٍ عسكري يهدف إلى إقامة منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على الحدود الجنوبية لتركيا لمنع الهجمات الإرهابية على أراضيه -كما يزعم- وإن كانت هذه الفبركات لا تنطلي على أحد كونها محض افتراء.
فبُعيد خروج سلطة حكومة دمشق عن مدينة منبج في عام 2012 أظهر كل من سيطر على منبج اهتماماً ملحوظاً بها لأسباب عدة، ذات علائق متداخلة، وبحسب قناعتي فهذه الأسباب تتمحور حول مجموعة من الخصائص التي يمكن تصنيفها وفق الآتي: إن تخصيص أردوغان الذي أبدى في حديثه عن منبج في أكثر من مناسبة وأمام عدسات الإعلام اهتماماً ليس فقط من الناحية الجغرافية التي تعني توسيع هوايته المفضلة في قضم أراضي سورية جديدة وبات هذا الأمر محل اتفاق لكل السوريين ما خلا المناطق التي تحتلها تركيا نفسها، بل يتعدى إلى نواحٍ أخرى جيوستراتجية وأنثروبولوجية وتاريخية وجغرافية.
ومن هذا المنظور فمدينة منبج تُعد ثاني أكبر المدن الواقعة على الفرات بعد جرابلس ويعني مجرد السيطرة عليها عزل مناطق غربي الفرات عن شرقه لا بل خنقها من جهة وتطويق مدينة حلب وعزلها عن مناطقها الشرقية من جهة أخرى، وبالتالي عزل مناطق الجزيرة السوريّة عن الشمال السوري جغرافياً وتجارياً.

ولا يقتصر المشروع الاحتلالي لمدينة منبج على ما ذُكِر آنفاً فمدينة منبج كانت ذات أهمية كبرى إبّان سيطرة العثمانيين على المنطقة، ولذا فهي تعد منطقة توافقية ضمن نفوذ عثماني أصيل وفق اتفاقيات مع الدول الاستعمارية بعد جلاء العثمانيين عن المنطقة وأدت بطبيعة الحال إلى منحها تفويضاً للسيطرة على المناطق الواقعة في الجزيرة السوريّة حتى الموصل العراقية بما يُعرف بمشروع إصلاح الشرق، ولذا فإن تحقيق هذا الشيء يمر من بوابة السيطرة على الداخل السوري الغربي وهي جرابلس ومنبج أيضاً.
وإذا أخذنا بالاعتبار أن منطقة جسر قره قوزاق كانت ذات يوم تحتضن ضريح سليمان شاه السلطان المؤسس للدولة العثمانية قبل أن يتم نقل هذا الضريح إلى بلدة أخرى تأسيساً على تفاهمات بينهم وبين مرتزقة داعش آنذاك، وبناءً على ذلك فمنبج تحمل مكانة هامة في نفوس العثمانيين الجدد، وبالأخص أن سكانها يصطبغون بالطابع الديني وهو ما يريده أردوغان التي من السهل بث الفكر الإخواني فيها.
ومن الملاحظ أن السيطرة على طريق m4 يعد من أحد أهم الأولويات للرئيس التركي أردوغان بالأخص أنه يعني إكمال السيطرة على هذا الطريق والتحكم بعقدة المواصلات بين مناطق الغرب والشرق السورية وفقدانه يعني التسبب بخنق مناطق لحكومة دمشق وقطع الطريق عليها وتبديد أحلامها في السيطرة على هذا الطريق المهم، وجعله نقطة تفاوض مستقبلية على مبدأ العصا والجزرة في اتفاقيات قادمة قد تجمع الثلاثي تركيا وإيران وروسيا.

ومنذ دخول روسيا مسرح الحرب السوريّة في عام 2015 أصبحت تركيا شريكتها في إعادة تموضع السوريين أو المهجرين سواءً قسراً أم بحكم توافقات فيما بينهما كما حدث في خروج مسلحين مع عائلاتهم إلى الشمال السوري، ولذا فقد استثمر أردوغان هذا الجانب الخطير وأحدث تغييراً في الجغرافية السكانية السوريّة ولا يزال يروّج لهذا الأمر من خلال نيته إنشاء مستوطنات في الشمال السوري لإعادة مليون لاجئ سوري من تركيا، في المقابل يحاول أردوغان تدمير مشروع أخوّة الشعوب الذي نجح في جمع الشعوب في بوتقة التعايش السلمي المشترك، ومن هنا فالسيطرة على منبج تعني إعادة صياغة التحالفات العشائرية بنسخة مستحدثة وفق المصالح التركيّة والاستفادة من تأثيراتها على عشائر شمال وشرق سوريا سيما أن بعض العشائر على اتصال وثيق ووشائج قُربى فيما بينها مما يمهد للسيطرة على مناطق أخرى في المستقبل.
وبتكثيف، فالحملة التركية المحتملة على مدينة منبج وتل رفعت خطيرة جداً وينبغي العمل على إفشال مخططاتها القذرة بتكاتف الشعوب وتضامنهم مع إدارتهم المحلية المنتخبة من أبناء جلدتهم والوقوف مع المجلس العسكري المرابط على الجبهات لمجابهة العدوان، ومن المنطق أن لكل شيء بداية أو نهاية حتماً إلا أن الحملة العسكرية التركية المحتملة بصدد احتلال منبج لن يكون لها نهاية أبداً لأن آثارها ببساطة قد تمتد إلى أبعد من الذي ذُكِر آنفاً بكثير.