منبج؛ تحتضنُ ربيعاً آخر من الشعر والفكر

تقرير/ آزاد كردي – 

روناهي/ منبج: نظّم حزب سوريا المستقبل بمدينة منبج وريفها؛ ندوة ثقافية بعنوان “يهود الدونمة وأثرهم في الحياة التركيّة”، ألقاها د. حسين مرعي، وقد تخلل الندوة قصائد شعرية للشاعرة ماريا العجيلي، وذلك في مكتبة محمد منلا غزيل؛ الكائنة على طريق حلب الدولي.

في غضون الانتخابات التي يجريها حزب سوريا المستقبل في عموم الجغرافية السورية، تأتي هذه الندوة في جهود دعمه للحراك الثقافي الذي يتبنّاه الحزب في هذه الفترة.

بحضورٍ كبير من قبل مؤسسات ولجان الإدارة المدنية ومنظمات المجتمع المدني ونخب من الأحزاب السياسية على رأسها أعضاء حزب سوريا المستقبل وأحزاب أخرى، فضلاً عن العديد من المهتمين بالأدب والثقافة بالمدينة. أقام فرع منبج لحزب سوريا المستقبل؛ ندوة ثقافية بعوان “يهود الدونمة، وأثرهم في الحياة التركية”.

ماريا العجيلي؛ بين سحر اللغة وجمال الأنوثة

في المحور الأول من الندوة، قدمت الشاعرة “ماريا العجيلي” ثلاثة قصائد شعرية، وجاءت تحت العناوين التالية “كرنفال، البيرة، طرة ونقش”، اتسمت بالوضوح من خلال حسن اختيارها للألفاظ والجمل التي توصل المعنى الذي تريده بالإيجاز مستخدمة “الانزياح الشعري” بكثرة، كما اتسمت بقوة الأداء في محاولة منها؛ التأثير على الحضور بحيث تكون الألفاظ ومعاني القصيدة قادرة على التعبير عن مشاعرها وأحاسيسها وعاطفتها الصادقة، غير أن ما ميزها أكثر أسلوبها العفوي البسيط، ما زاد من لفت انتباه الحضور جميعاً والحث على التفاعل مع الدفقات الشعرية التي تصدح بين الفينة والأخرى بالدهشة والذهول. ومن قصيدة “طرة ونقش” التي نظمتها الشاعرة “ماريا العجيلي” تخليداً لشهيدة الياسمين؛ هفرين خلف؛ وتزامناً مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي أيضاً، نقتبس منها ما يلي:

“نظرات أمِّ تصحو لتلاحق الذكريات

تلاحق منديلها الذي يراقص الريح

أصوات القبائل؛ تكبير، وتكفير

والخوف يشحذ منجل الموت

لم يتوقف هاتفها المحمول عن الرنين

اخرجي، كانت الكلمة الوحيدة

التي كانت تتردد في دروب سمعها

ردها كان واحداً سأبقى لن أغادر

أعرف أنهم يريدون رأسي

لن أعطيهم فرصة إذلالي”.

وثائق منسيّة في صفحات تاريخ الدولة العثمانية

في المحور الثاني من الندوة، قدّم المحاضر د. حسين المرعي شرحاً عن معنى كلمة؛” الدونمة”، وعلاقتها باليهود وظروف نشأتها بقوله: (تعني كلمة” الدونمة”؛ العائد أو المرتد، وقد اختارها الأتراك وأطلقت على اليهود المتظاهرين بالإسلام، وأضمروا اليهودية في نفوسهم. أما مؤسسها الأول، فهو “سباتاي زيفي” المولود في 1626م، بمدينة إزمير التركية من أبوين يهوديين مهاجرين من إسبانيا، وقام بنشاط كبير في تنشيط الفكرة وتأصيلها، وبعد وفاته في عام 1675م سار أتباعه على دربه في محاولة للحفاظ على وحدة وتواصل الجماعة؛ تزامناً مع أوقات حرجة مرت بها الدولة العثمانية، وخاصة أوروبا التي كانت تمر بفترة محاكم التفتيش).

المحاضر أضاف: (ادعى” ساباتاي” النبوة، وراح يصوم كل يوم ويغتسل استعدادًا لليوم الموعود، وأشاع بين أصحابه المقربين أنه قد نُبّئ، فصدّقوه واتبعوه، مضيفاً لنفسه ألقاباً؛ مثل: “ابن الله البكر”، “أبوكم إسرائيل”! وألغى الدعاء للخليفة العثماني، واضعاً بدلاً منه الدعاء له كملك لليهود ومخلّص لهم. بدأت الوفود تأتيه من الخارج؛ من أدرنة ورودس وصوفيا وألمانيا، ونظم أموره وأمور أتباعه، واستقبل زواره بمواعيد ومراسيم معينة. قسم” ساباتاي” العالم إلى 38 منطقة، معيّناً حاكماً لكل منها، وغير في بعض التقاليد اليهودية. لما أحس السلطان “محمد الرابع”؛ بتعاظم خطره على الدولة سجنه، لكنه أنكر كل التهم الواردة ضده وارتد عن اليهودية، وأرسل إلى أتباعه يقول لهم: “لقد جعلني الله مسلمًا، أنا أخوكم محمد البواب هكذا أمرني الله فامتثلت”.

أما عن أثر يهود “الدونمة” في الحياة التركية، فأشار المحاضر د. حسين المرعي إلى ذلك قائلاً: (لعب يهود “الدونمة”؛ دوراً هاماً في تأسيس حزب” الاتحاد والترقي” لا سيما في مدينة سالونيك عن طريق المحفل الماسوني هناك، ورئيسه المحامي اليهودي والنائب في المبعوثان عمانويل قره صو. وكان عدد غير قليل من يهود “الدونمة”؛ أبلغوا السلطان عبد الحميد؛ قرار عزله؛ الممهور “قره صو نفسه”. وسجن عبد الحميد في منزل أحد يهود سالونيك الأغنياء. وهللت الصحف اليهودية بهذا الأمر للتخلص من مضطهد (إسرائيل) الذي فرض الجواز الأحمر وأعاق تحقيق أهداف الصهيونية في فلسطين، كما وأصدرت في باريس مجلة “مشورت” للدعوة إلى أفكار الثورة والإصلاح. وتم تنصيب فيما بعد أخاه محمد رشاد سلطاناً في 17/4/1909وبذلك أصبحت السيطرة المطلقة في الدولة العثمانية آنذاك؛ لجمعية الاتحاد والترقي بدعم من يهود” الدونمة” الذين أسقطوا الخلافة العثمانية لاحقاً على يد أتاتورك).

وفي ختام الندوة، أثيرت الكثير من التساؤلات والنقاشات بين المحاضر والحضور؛ للعديد من الأمور الثقافية التي أدت إلى إثراء الندوة بالمزيد من الفائدة والمعرفة.