مقاومة كوباني أيقظت إنسانية العالم من جديد

كوباني/ سلافا أحمد ـ

مقاومة لخصت إرادة شعوب شمال وشرق سوريا في التصدي لداعش الذي أرعب العالم بإجرامه، وكسرت مخططات الاحتلال التركي التي راهنت على سقوط كوباني؛ فكان لصداها أثراً لامعاً في العالم.. إنها مقاومة كوباني التاريخية..

مقاومة وإرادة النصر في تلك المدينة الصغيرة كانت كافية ليتحرك المقاومون لدحر الإرهاب، ولتخيب آمال كل من تربص بكوباني وأهلها، مساحة قد تعادل مساحة ملعب، كانت موطئ قدم للأبطال، أو لنقل زاوية في خلافة “داعش” المأمولة في وقت استخدمت “داعش” كافة أسلحتها بدءاً من الهمرات والدبابات وانتهاء بالانتحاريين والسيارات المتفجرة المفخخة، لينالوا جنة موعودة كذباً وحوريات رسموها في أفكارهم المريضة ومفاتيحاً يحملونها زيفاً على أنها مفاتيح لأبواب الجنة.

مقاومة عجزت الكلمات عن وصفها

 لم تكن مقاومة تلك المدينة الصغيرة التي عرفها العالم بعاصمة الإنسانية، كغيرها من المقاومات، بل أذهلت العالم أجمع بتصديها لأخطر ارتزاقٍ إرهابي في العالم.

بينما لا أحد توقع إبداء مقاومة تلاقي صدى عالمياً في تلك المدينة التي لم يعرف أحد اسمها أو أين تقع قط، أبدى أبناء تلك المدينة وعشاق الحرية المتطوعوين في القتال من أجزاء كردستان الأربعة والعالم مقاومة منقطعة النظير، مما أجبر العالم أجمع على مساندة ودعم المقاومين في محاربة مرتزقة “داعش” ليبدأ نجم هذا “داعش” الذي أرهب العالم بالأفول ويبدأ الزوال وصولاً إلى آخر معاقله في دير الزور.

في 15 أيلول عام 2014 هاجم مرتزقة داعش بدعم من دولة الاحتلال التركي مدينة كوباني وقراها، بعد حصارها من الجهات الثلاث، الجنوبية الشرقية والغربية، بكافة أسلحتها ومعداتها اللوجستية والعسكرية، معتقدين أن مصير مدينة كوباني سيكون كباقي المدن الأخرى التي سيطرت عليها المرتزقة في العراق وسوريا، ولكن نضال أبناء كوباني ووحدات حماية الشعب والمرأة الذي دام لمدة 134 يوماً أيقظ الإنسانية من جديد في العالم.

اعتمد مرتزقة “داعش” على ما حققوه من انتصارات واحتلال لمدن سورية وعراقية متعددة وفي مدة زمنية قياسية، لحث عناصره على التوجه إلى كوباني وإبادة الكرد هناك، كوباني الواقعة على الحدود مع باكور كردستان (الحدود السورية التركية) التي تبعد عن محافظة حلب 150 كم وتتبع إدارياً لمدينة حلب، لاقى مرتزقة داعش حتفهم فيها على يد أبناء كوباني والمقاومين المتطوعين من أجزاء كردستان الأربعة في مدينة كوباني التي عرفت في العالم أجمع بعاصمة الإنسانية والمقاومة، واعتبرت هزيمة مرتزقة “داعش” من أهم الانتصارات والمقاومات في العالم أمام أخطر إرهاب ألا وهو “داعش” الذي عجز العالم أجمع عن التصدي لهجماتها الإرهابية.

أحلام أردوغان تلاشت في كوباني

بينما كان مقاتلو كوباني ووحدات حماية الشعب والمرأة يبدون مقاومة شرسة أمام مرتزقة داعش، كان أردوغان يترقب سقوطها وخضوعها لسيطرة مرتزقتها (داعش) كغيرها من المدن السورية والعراقية، لكن مقاومة المقاتلين الذين اتخذوا من مقولة “الموت بشرف ولا العيش بالمذلة” شعاراً لهم ومنطقاً، أفشلت جميع أحلام أردوغان التخريبية في سوريا، وكانت بداية لنهاية أسطورة مرتزقته (داعش) في سوريا والعراق.

تركيا، بإرسال مرتزقتها لمدينة كوباني، كانت تسعى لتنفيذ مخططاتها الاحتلالية في سوريا، وهدفها الرئيس بلا شك كان القضاء على إرادة الشعب الكردي ووجوده وبالأخص أن هذا الهجوم جاء بعد أشهر فقط من إعلان الإدارة الذاتية في كوباني وعفرين والجزيرة، وتركيا تراه خطراً على سياستها الاحتلالية والدكتاتورية، إضافة لاعتقادها أن احتلال مساحة شاسعة من الأراضي السورية ستمكنها من إعادة إمبراطورتيها العثمانية من جديد. مع اللحظات الأولى لاندلاع الأزمة السورية خططت تركيا لاحتلال كامل سوريا من خلال دعمها وتمويلها الفصائل المعارضة “الجيش الحر” والمتشددين منهم كتنظيم القاعدة (النصرة)، لكن فشل المعارضة بتنفيذ مخططات الاحتلال التركي بالسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي السورية، دفعها لتوطيد علاقاتها مع مرتزقة “داعش” عبر دفع غالبية فصائل المعارضة الممولة تركيا للانضمام إليها والعمل لصالح المخططات التركية بعد تقديمها الدعم اللوجستي والعسكري لها، إلا أن هذا المخطط هو الآخر فشل بهزيمة داعش في كوباني ونهايتها في بلدة الباغوز، وهو ما أجبر الاحتلال التركي للتدخل المباشر بسوريا بحجة مقاتلة مرتزقة “داعش” بدءاً من جرابلس.

تبادل الأدوار

لذا لم يستطع أردوغان الوقوف متفرجاً على انتهاء مرتزقته التي كانت دمية تنفذ مخططاته الفاشية في سوريا، وسعى مراراً وتكراراً لإنعاشهم ودعمهم من جديد، لكن جميع محاولته باءت بالفشل. لكن؛ بنضال ومقاومة أبناء المنطقة الذين عاهدوا وطنهم وأهله بالحفاظ على نهج الشهداء والدفاع عن هذا الوطن الجريح مهما كلفهم الأمر، لم يسنح المجال أمام تركيا بإحياء داعش من جديد في المنطقة بتلك القوة، وكانت سداً أمام هجمات ومخططات تركيا الإرهابية في المنطقة.

بينما كانت قوات سوريا الديمقراطية تحرر المناطق الخاضعة تحت سيطرة مرتزقة “داعش”، بدأت دولة الاحتلال التركي غزوها المدن السورية الحدودية لتركية كمناطق جرابلس الباب وإعزاز، كانت تركيا تدعي أنها قد حررتها من مرتزقة داعش، لكن لم تكن تلك سوى صفقة بينها وبين داعش، عملية تبديل الأقنعة والألبسة فقط، وظهرت وثائق ودلائل عدة أظهرتها وسائل إعلام محلية وعالمية عن تلك الصفقة، لكن بالرغم من معرفة الرأي العام العالمي والدولي لهذه الحقيقة إلا إنه واصل غض النظر عنها.

ولم تكتفِ تركيا باحتلال هذه المناطق فقط بل بدأت عدوانها على عفرين في 20 كانون الثاني من عام 2018، وبعد مقاومة أبنائها الذي دام 58 يوماً أمام ثاني دولة في حلف الناتو من حيث القوة العسكرية، تمكن الاحتلال التركي من احتلال مدينة عفرين بالكامل في 18 آذار عام 2018، وارتكبت فيها أفظع أنواع الجرائم بحق أهالي عفرين، إضافة إلى تدمير المواقع الأثرية والدينية، وتغيير ديمغرافية المنطقة.

مدينة عفرين التي عرفت بمدينة الجمال والزيتون والمقاومة تحولت بوجود مرتزقة الاحتلال التركي إلى مدينة ينبع منها الإرهاب والفساد.

لم يمر يوم على عفرين ولم يمارس فيها انتهاكات صارخة للمواثيق والمعاير الدولية أمام أنظار الرأي العام والمنظمات الإنسانية والحقوقية، ولم يكتفوا بالوقوف مكتوفي الأيدي أمام هذه الانتهاكات، بل بصمتهم كانوا شركاء لهذه الانتهاكات بحق الإنسانية في عفرين.

وواصلت تركيا مخططاتها الاحتلالية في مناطق شمال وشرق سوريا، وكانت تستهدف أهالي القرى والمدن الحدودية لتركيا في مناطق شمال وشرق سوريا بشكل يومي، حتى بدأت بعدوانها الاحتلالي فاحتلت مدينتي “سري كانيه، وكري سبي”.

هذا الاحتلال حمل معه المعاناة والمآسي لشعوب المنطقة، وتسبب بنزوح وتهجير قرابة ثلاثمئة ألف مدني من المنطقة ليتسبب بكارثة إنسانية.

إلا أن محاولة تركيا التخريبية والاحتلالية لا زالت مستمرة تجاه المنطقة، سعياً لزعزعة أمن واستقرارها، وضرب نسيج أخوة الشعوب، وهو ما زاد أهالي وشعوب شمال وشرق سوريا إصراراً وعزيمة لمواصلة نضالهم ضد مخططات تركيا الاحتلالية ومقاومتهم لها، مصرين على الرفع من وتيرة نضالهم ومقاومتهم بوجه الفاشية التركية حتى تحرير مناطق شمال وشرق سوري كافة.