سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مقاربات بين توسع مدينة “الرقة” وتراثها المعماري الأثري

محمد عزو  _

قبل نهاية العقد الأول من بداية الألفية الثالثة، شاركت محافظة “الرقة” بحضور باحثين وآثاريين من أبنائها في المؤتمر الدولي، الذي عقدته أمانة العاصمة في “دمشق” في عام /2008/، وقد مثل” الرقة” كل من: الآثاري أ. “محمد العزو” والباحث الدكتور “محمود النجرس” وكانت ورقة العمل عن تطور المدن  المشرقية والتراث العمراني، بالتعاون مع (منظمة اليونسكو العالمية).
وتعدّ مشكلة التطور العمراني الحديث للمدن العربية، والحفاظ على التراث المعماري القديم فيها، من المشاكل الأساسية، التي تعاني منها معظم البلدان النامية، ومنها الدول العربية بشكل خاص، إذ أن مدننا العربية المشرقية منها والمغربية على حد سواء شهدت، مع تسارع الزمن تطورات في بنيتها الاقتصادية والاجتماعية بشكل حثيث؛ ما أدى بالضرورة إلى توسع عمراني ملحوظ ومفاجئ، ولا سيما في البلدان ذات البعد الحضاري. التنوع، وأحياناً التناقض، في المؤثرات الحضارية، والعبء، الظاهري المتمثل في الحفاظ على التراث، هذا الأمر بحد ذاته أدى إلى مشكلات تجاوزت في حدودها الدنيا والقصوى مسألة الحلول المؤقتة، إذ أنّ المشكلة أصبحت كبيرة بدخول عوامل أصبحت أشد تعقيداً وحساسية مثل ما يسميه الأستاذ “مأمون الفحام” بـقوله: «..التنوع، وأحياناً التناقض، في المؤثرات الحضارية، والعبء، الظاهري المتمثل في الحفاظ على التراث»، في بحثه المنشور في مجلة “الدراسات الشرقية” المجلد /41-42/، ص/216/، دمشق /1993/ م. هذا الحديث يقودنا إلى المشروع التنظيمي لمدينة “الرقة” الذي طُرح، في بداية الثمانينات من القرن الماضي من قبل محافظة “الرقة” بالتعاون مع وزارة “الإسكان” وأعتقد مثّل الرقة في هذا المؤتمر المهندس الأستاذ “عبد العظيم العجيلي”، وقد تم تنفيذ هذا المشروع، بدءاً من بداية ثمانينات القرن الماضي، وعلى مراحل متقطعة.. وفي ورقة العمل الأساسية نجدها تضمنت الأمور التالية:
– كما أنّ ورقة العمل لحظت أبعاد المشكلة العمرانية، فمن المعروف أنّ مدن الجزيرة “السورية”، تشكل حالة متطورة في بنية التركيبة السكانية بالنسبة لسوريا، ومع ذلك نجد أنّه كان هناك، وما زال، نقص كبير في عوامل التنمية (الاقتصادية والاجتماعية) الذي أثر ويؤثر على استقرار السكان.
 وبعد إنشاء سد “الفرات” ومشاريع التنمية التي رافقته، أصبحنا نلاحظ تغيراً كبيراً في بنية التركيب الاجتماعي والاقتصادي… وفي هذه الحالة تعدّ “الرقة” من أكثر المراكز الحضرية التي تأثرت بالتغير والتطور السريع نتيجة قربها من السد.
هذا الواقع الجديد في حياة مدينة “الرقة”، قد انعكس أيضاً على التطور العمراني للمدينة، خاصة بعد الازدياد الكبير لهجرة السكان من الريف إلى المدينة، بمعدلات أكبر من استيعابها… لقد أدى هذا الواقع إلى العديد من الظواهر السلبية في تكوين المدينة العمراني، إذ تبدل الشكل السكني، وذلك بأن تحولت طبيعة السكن من سكن موسمي، إلى سكن دائم بأعداد كثيرة ومتزايدة من السكان الذين بدؤوا بالاستقرار النهائي في المدينة. هذا الاستقرار أدى إلى مشكلة كبيرة، إذ أنّ أعداد كبيرة منهم بدؤوا بالسكن العشوائي في المنطقة الواقعة بين منطقة الجسرين، وفي المناطق الأثرية كما أسلفنا سابقاً، وكذلك امتد السكن العشوائي في المنطقة الغربية من المدينة.
 وفي الناحية المعمارية التي شيدت في أحياء مدينة “الرقة” وخاصة القريبة من المنشآت الأثرية في المدينة، لم يراعَ فيها التناسب والانسجام والمواجهة، فجاءت أغلب المباني السكنية على شكل مبانٍ مكونة من طابق أو طابقين وبعضها ثلاثة طوابق، في كليتها تفتقر إلى النضوج التقني والفني، المتمثلة في إلغاء دور الفناء، وإلغاء الأسطح المطلة على الفناء وحماية الأسطح من حرارة الصيف، وكذلك إلغاء المرونة المتوفرة بالنماذج التقليدية (التوسع الشاقولي).
 أما المباني ذات الطوابق المتعددة، فهي في حقيقة الأمر تمثل الأنموذج الأسوأ في نمط المباني الرقية، إذ أنها (وما زالت) تفتقر إلى الكثير من الميزات الفنية والاقتصادية وحتى الإنسانية، ويبدو أنّ المشكلة في رمتها تتصل بفقدان الجوهر والأصل، وعدم المقاربة ما بين هنا وهناك وحتى فقدان الذوق والإحساس ما بين ما هو فني، وما هو دون الفني… لابد من المراجعة، ولكنها مراجعة طويلة… أما في أيامنا هذه ما هو دون الفني توسع بشكل مرعب وأصبحت المدينة “ثريد بثريد”.
مراجع البحث:
  • الدراسات الشرقية شمال شرق سورية، المجلد/41-42/، دمشق/1993/م (إصدار المعهد الفرنسي بـ”دمشق”).
  • مأمون الفحام، توسع مدينة “الرقة” (المفارقات بين منطلقات التنظيم وتجاوزات التطبيق). دمشق/1993/م ص من: /51-70/.