الكثيرٌ من الأحداثِ يحتاجُ لتنظيرٍ وتحليلٍ لفهمِ أبعادها وتداعياتها، ولكن الحربَ شمال سوريا بدأت، وتتضح من خلالها وقائعها وتجاوزتِ التحليلَ والتخمينَ. اسم العملية كان المفارقة الأولى فالسلام لا يُبنى بالحرب وآلات القتل وبالتهجير.
إنسانيّاً لا أحدَ يتحدثُ عن مصيرِ الأهالي والمدنيين وما يمكنُ أن تسببه الحربُ لهم من ويلاتٍ وكوارثَ، فموسكو وواشنطن تتحدثان عن معتقلي داعش القتلة والإرهابيين، التي جاءت الحرب بتوقيتها وأدواتِها محاولةَ إنقاذٍ لهم.
قبل أيام اعتلى أردوغان منصةِ الأمم المتحدة وأظهر خارطةَ شمال سوريا، ولسان حاله “هذه هي خارطة الميدان والعمليات العسكريّة بعد أيام، وعليكم أن توافقوا عليها، وإلا فتحتُ بابَ الهجرةِ واللاجئين”.
الكلُّ متفقٌ على استمرارِ الحربِ، وإيقافها مرهونٌ بالجهودِ الحقيقيّة وليس مجردِ الإدانة، فأردوغان مصممٌ على الاستمرار فيها ليظهرَ للأتراكِ بعد تراجع شعبيته بطلاً تاريخيّاً تحدّى العالم، وقال في خطاب بإسطنبول مساء الجمعة متنكراً وجودَ مكوناتٍ غير الكرد: “لا يهمنا ما يقوله البعضُ، لن نوقفَ هذه العملية” التي تستهدفُ وحداتِ حماية الشعب الكرديّة في شمال شرق سوريا” وأوضح أنّ هدف العملية الوصولُ إلى عمق 32 كم وإيواء 4 ملايين لاجئ، والزيادة الجديدة بعدد اللاجئين رسالة تهديد مبطّنة للأوروبيين.
يأمل أردوغان بنسفِ كاملِ إنجازاتِ قسد خلال حملاتِها العسكريّة وتصفيرِ الساعات شرق الفرات، وليصرفَ نتيجةَ العدوانِ نصراً قوميّاً تتكفلُ به ماكينته الإعلاميّة، فلعبَ على المشاعر الدينيّةِ وسمّى الحملةَ بجيشِ “محمد”، وتصدّر عنوانٌ عريضٌ صحيفةً تركيّة “أخبروا الكفارَ أنّ جيشَ محمدٍ قادم”.
