معارك تجربة شمال وشرق سوريا

سيد عبد الفتاح ـ صدى سيا –

كم هي كثيرة المعارك التي تخوضها وعليها أن تخوضها التجربة الواعدة في شمال وشرق سوريّا والقائمين عليها، سواءً كانت هذه المعارك عسكريّة أو أمنيّة مع “داعش” والمجاميع الإسلامويّة الأخرى، أو النظام التركيّ ومعه المتربّصين بالتجربة من دول وقوى محلّيّة وإقليميّة ودوليّة، ترى أنّها ليس من مصلحتها أن تنجح العمليّة، وأنّ “أمنها القوميّ” ومصالحها تستلزم أن تعمل هذه الأطراف ضدّ التجربة الوليدة الواعدة، وبالتالي لا بدّ من عرقلتها وتعطيلها وتهديدها بشكل متواصل، بحيث لا تعرف الاستقرار وتكون مهدّدة باستمرار، فلا تتفرّغ أو يكون لدى القائمين عليها الوقت والقدرة على استكمال خطوات هذه العمليّة بكافّة جوانبها، وترسيخها بالاستمرار في خطوات البناء والتنمية والحماية، وتوفير كلّ متطلبات الحياة الأساسيّة للمواطنين الذين يعيشون على أرض هذه المنطقة..؟ بالإضافة إلى هذه المعركة العسكريّة الأمنيّة، فهناك بالطبع عمليّة البناء والتنمية بكافّة جوانبها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والصحيّة والتعليميّة والثقافيّة وغيرها، وهي معركة ليس أقلّ أهميّة أو أقلّ سهولة من سابقتها العسكريّة الأمنيّة، فتوفير الخدمات للمواطنين وسط الظروف التي تعيشها المنطقة والتحدّيات التي تواجهها والأخطار التي تهدّدها والمواقف المحلّيّة والإقليميّة والدّوليّة التي تترصّد لها، هي مسألة في غاية الصعوبة، والحقيقة أنّه يمكننا القول من خلال الزيارات المتكرّرة ورصد الأوضاع على الأرض الواقعة في منطقة شمال وشرق سوريّا، أنّ هناك جبالاً من التحدّيات يواجهها القائمون على التجربة في كلّ المجالات والميادين على حدّ سواءً، لكنّهم يخوضون معركتهم تلك بكلّ إيمان وثقة وعزيمة وإصرار على النّجاح، فجميع الأيدي متلاحمة متشابكة والكلّ مثل البنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضاً في مواجهة التحدّيات والتهديدات والأخطار، وفي مواجهة شحّ المواد الخام مثلاً وأحياناً الحصار المفروض على المنطقة يمنع عنها المواد اللازمة لعمليّة التنمية سواءً البناء والتعليم والصحّة والخدمات.

وعلى الرّغم من كلّ تلك الظروف المعاكسة والتحدّيات والأخطار والتهديدات والحصار، ممّا يشكّل بيئة أقلّ ما يمكن وصفها بأنّها غير ملائمة على الإطلاق لتجربة وليدة وواعدة، ولا تبشّر بأيّ نجاح للتنمية والبناء والعمران، إلا أنّ الواقع الذي تعيشه المنطقة من التّلاحم غير المسبوق والفريد من جميع الذين يعيشون على أرض المنطقة بمختلف قوميّاتهم ومذاهبهم وتوجّهاتهم وانتماءاتهم وحتّى أديانهم وإمكانيّاتهم، هو وحدة القوّة الكفيلة بإنجاح هذه التجربة الوليدة الواعدة وحمايتها والحفاظ عليها في مواجهة أيّ قوى أخرى مهما كانت، وأيّ مخطّطات ومؤامرات مهما بلغت من البراعة والقوّة والإحكام، فالإنسان هو كلمة السرّ في هذه المعركة خاصّة إذا كان صاحب حقّ ولم يعتدِ على غيره ولم يسلب غيراً حقّاً من حقوقه ولا هدّده في أمنه أو حياته أو طعامه أو شرابه أو حتّى أحلامه. إنّ هذه التجربة التي يقوم فيها كلّ واحد بدوره بكلّ إخلاص وإصرار وعزيمة وثبات وإنكار الذات، كما يتناغم مع قيام كلّ فرد بدوره مع القاعدة الذهبيّة لروح الفريق والعمل الجماعيّ الذي لا تتسلّل إليه أيّ سلبيّات أو مشاحنات أو منافسات وحقد وغيرة، فنجاح كلّ فرد هو في الواقع نجاح لزميله وهو في النهاية كذلك نجاح لكلّ المنظومة والفريق ونجاح للإنسان الذي يعيش على تلك الأرض.

إنّ هذه التجربة الوليدة الواعدة تسطّر ملحمة متعدّدة الجوانب سيسجّلها ويخلّدها التاريخ وتستفيد منها الأمم والمجتمعات التي تريد بناء مجتمع ووطن يحتضن الإنسان أيّاً كان لونه ودينه وجنسه وأفكاره، مجتمع يحترم الإنسان وإنسانيته ويلبّي له حقوقه وحاجاته، مجتمع تشيع فيها القيم الإنسانيّة النبيلة، وتشعّ منه أشعة الضوء تنير للآخرين، للجيران القريبين والبعيدين، للمجتمعات الأخرى كلّها القريبة جغرافيّاً أو البعيدة، مجتمع ليس فيه سوى السّلام والأمن والعدالة والدّيمقراطيّة.