سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

معادلة الانسحاب الأمريكي ومواجهة إيران

ترافق قرار الانسحاب الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا مع تأكيداتٍ من إدارة ترامب بمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة ومكافحة الإرهاب والتطرف. يخلق هذا الموقف الأمريكي الحيرة لدى جميع القوى والأطراف المتصارعة في المنطقة، فكيف ستسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا في الوقت الذي تتواجد فيها قوات إيرانية وكيف ستتم مواجهة إيران في نفس الوقت؟ حيث يبرز هذا السؤال لدى جميع الأطراف.
تشير التحركات الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة إلى محاولتها خلق تحالف واسع ضد إيران في الشرق الأوسط وزيارة بومبيو وزير الخارجية الأمريكية للدول العربية وما دعا إليه بومبيو في مصر بتأسيس تحالف استراتيجي ضد إيران، وجون بولتون مستشار الأمن القومي في زيارة لإسرائيل وتركيا وتأكيده على “مكافحة النشاطات الإيرانية الخبيثة”.
العقوبات الاقتصادية …سلاح من ورق
وهذا ما كان واضحاً خلال الكلمة التي ألقاها وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو في الجامعة الأمريكية في مصر عندما قال:” انتهى عمر التقاعس والخزي الأمريكي الذاتي والآن تأتي البداية الجديدة الحقيقية” في إشارة إلى سياسة الإدارة السابقة لباراك أوباما التي أدت إلى تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة، والانتهاء من مرحلة احتواء السياسة الإيرانية إلى المواجهة، وخاصة أن سلاح العقوبات الاقتصادية لم يجدِ نفعاً، وعدم النجاح في خلق معارضة داخلية في إيران بالرغم من وجود ضغوطات داخلية مختلفة على نظام الملالي، مما يعني أن سياسة احتواء إيران عبر العقوبات الاقتصادية لم تؤثر على تحركات إيران في المنطقة، حيث قامت بإرسال صواريخ إلى حزب الله وتعزيز قواتها  في سوريا، وتقويض اتفاق ستوكهولم الذي جرى بين الحوثيين والشرعية المدعومة سعودياً، وتجدر الإشارة إلى أن السياسة الإيرانية لم تنبع من فرض أمر واقع بل من التأييد الشعبي لها من قبل العالم الشيعي في دول المنطقة، لذا تتعرقل جهود الولايات المتحدة في كبح جماح إيران في عموم المنطقة، باستثناء سوريا التي تمثل الحلقة الأضعف لها وذلك قياساً بالقوة والنفوذ الذي يمتلكه إيران في العراق ولبنان واليمن وذلك للأسباب التالية:
أولاًـ عدم وجود حاضنة شيعية لها في سوريا. ثانياًـ تواجد روسيا ذات التأثير الكبير على النظام السوري، وتراجع الدور الإيراني بعد دخول روسيا إلى سوريا عام 2015. ثالثاًـ  الموقع الجيوسياسي لسوريا الذي أدى إلى تدخلات إقليمية ودولية، لتؤدي إلى تضييق الخناق على السياسة الإيرانية في سوريا بالرغم من كبر حجم قوتها العسكرية الموجودة في سوريا.
وبناءً على ذلك فالولايات المتحدة الأمريكية والقرار الذي اتخذته بشأن الانسحاب مرتبط بالفكرة التي طرحها بومبيو في مصر بإنشاء تحالف استراتيجي في مواجهة إيران, لأن تأسيس تحالف استراتيجي وبرعاية أمريكية يحتاج إلى مشاركة إسرائيل فيه. ويرتبط الانسحاب من سوريا بتشكيل تحالف جديد ضد إيران من جهة واعتراف دول المنطقة ب ”الدولة الإسرائيلية وعاصمتها القدس” لأن هذا الانسحاب يشكل تهديداً إيرانياً لهذه الدول, بمعنى أن الولايات المتحدة بقرار الانسحاب تحاول توجيه البوصلة نحو إيران، ومن ناحية أخرى تحاول أمريكا عبر قرار انسحابها من سوريا ممارسة الضغط على القوى المعنية بالأزمة السورية لإعدادهم ضمن سياستها في محاربة النفوذ الإيراني في سوريا، وكما هو معروف أن السعودية والإمارات جاهزتان دائما لهكذا تحالف.
إدارة أزمة…أم محاربة إيران؟
بالنسبة لمحاربة تنظيم داعش الإرهابي تحاول أمريكا بهذا القرار الضغط لضم جميع الأطراف العاملة تحت مظلة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب وبما فيها تركيا، من أجل تفعيلها في هذا التحالف ومحاولة إبعادها عن روسيا وإيران والسعي إلى إزالة خطر تركيا عن مناطق شمال وشرق سوريا والوصول إلى مرحلة سلام بين الكرد وتركيا بغية تركيز جهود هذه الأطراف في الهدف الرئيسي لأمريكا ألا وهو محاربة إيران و بدا واضحاً من خطاب بومبيو أن أمريكا لن تدعم عملية إعادة الإعمار إلا بعد خروج القوات الإيرانية من سوريا وهذا يعني أنه في المرحلة المقبلة ستعمل أمريكا على تقويض العملية السياسية المدارة من قبل محور أستانة.
الولايات المتحدة الأمريكية ستحاول من خلال استراتيجيتها في مواجهة إيران ونفوذها، الاستفادة من جميع المشاكل والصراعات الدائرة بين القوى المتعاونة والحليفة لها في المنطقة لصالحها كونها تقوم بدور إدارة الأزمة، الصراع الكردي التركي، الصراع السني الشيعي، الأزمات الموجودة داخل دول المنطقة (العراق ولبنان)، الخلافات بين الدول الخليجية، لتتغلغل أكثر في مسارات الأحداث بحيث لا تترك أي طرف يتحرك خارج المضمار الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية له, لتجعل الجغرافيا السياسية الموجودة في المنطقة مرتبطة بها والإمساك بزمام الأمور، والقدرة على مواجهة النفوذ الإيراني.
حاصل القول أن هذا القرار الأمريكي يندرج في إطار إطالة عمر الأزمة السورية، وذلك من خلال مواجهة إيران كاستراتيجية الأمن القومي لإدارة ترامب، وجعل سوريا ساحة المواجهة لأنها أصبحت من بين أكثر دول المنطقة التي تشهد صراعات بين عدة مشاريع ومعنية بها دول كثيرة منها ضد الولايات المتحدة وأخرى حليفة لها، حيث يتشابه التمدد الإيراني في الدول بظهور الدولة الإسلامية في العراق وسوريا وتمددها ما دفع الولايات المتحدة إلى المزيد من التدخل في العراق للحد من التدخل الإيراني في شؤون العراق بعد أن كانت الحكومات السابقة تخضع لتوجيهاتها، وفي سوريا أصبح وجود تنظيم داعش الإرهابي سبباً للتدخل وإقامة قواعد عسكرية في المناطق التي حررتها قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب والمرأة ومرحلة ما بعد داعش باتت قريبة وهي محاربة إيران في سوريا والتي ستدفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى زيادة نفوذها وبوسائل مختلفة حتى لو انسحبت قواتها من سوريا ولا يعني الانسحاب التخلي عنها بشكل سنهائي وفتح المجال أمام إعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابي، إذاً ستحاول الولايات المتحدة الأمريكية البقاء أطول فترة ممكنة والإستفادة من تواجدها في ثلث الأراضي السورية للضغط على إيران في العملية السياسية من أجل الوصول إلى تسوية نهائية تكون فيها إيران الخاسر الأكبر.

مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية