مصر تفرض صندوق الأسرة لتحصين المطلقة بعد انفصالها

يؤكد استشاريو العلاقات الأسرية في مصر أن تدخل الحكومة بتوفير موارد مالية للمطلقة بعد الانفصال يقضي على محاولات قهرها وإذلالها، ويضع حداً لتمرد بعض الرجال الذين يتهربون من دفع النفقة، حيث تتكبد المرأة في مصر عناء البحث عن زوجها من أجل التسريع بدفع النفقة. وأمام زيادة مخصصات صندوق الأسرة، أصبح يكفيها رفع دعوى ضد الرجل لتحصل على مستحقاتها.

صندوق الأسرة مظلة مالية تحمي المطلقات 

حمل تكليف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للحكومة بمضاعفة موارد صندوق الأسرة، بارقة أمل للنساء المطلقات وأبنائهن لوجود مظلة مالية تحميهم من تبعات الانفصال وغياب العائل الذي يوفر لهم احتياجاتهم المعيشية بعد الانفصال، في ظل تنصل الكثير من الرجال من دفع النفقة الزوجية، وفي وقت تشهد فيه البلاد موجات متصاعدة من غلاء الأسعار والخدمات بما يضاعف الضغوط على المطلقات.

تقرر أن تزيد موارد صندوق الأسرة المصرية بقيمة خمسة مليارات جنيه، ما برره الرئيس المصري بحتمية تدخل الحكومة لإنقاذ المرأة المطلقة من تبعات الانفصال، لتكون لديها وفرة مالية تستطيع من خلالها الإنفاق على أسرتها، لأن تركها وحيدة تواجه صعوبات الحياة ليس من المروءة في شيء، وبالتالي لا بد أن يكون للدولة دور عاجل في هذا الشأن من خلال مساعدتها مالياً.

ومن شأن زيادة موارد الصندوق أن تحل العديد من المشكلات، التي تحدث بعد الطلاق، لاسيما ما يتعلق منها بالشق المالي، فالأبناء يدفعون فاتورة باهظة لتنصل الأب من النفقة الزوجية، ما يؤثر سلباً على مصروفات تعليمهم وصعوبة الاستقرار في سكن ملائم، وقد يمتد الأمر إلى الحرمان من الحد الأدنى من المتطلبات الضرورية، وتجد المرأة نفسها عاجزة عن تدبير الاحتياجات.

والغرض من إنشاء الصندوق، التكفل بدعم الأسرة وقت التصدعات التي تؤثر على استقرارها، حيث يتولى مهمة الإنفاق على مصاريف المطلقة والأبناء دون أن يحصل الرجل نفسه على أي حقوق مالية منه، ويتم تعويض الزوجة من خلاله بعد الانفصال، إلى حين حصولها على مستحقاتها المالية عبر حكم قضائي يصدر عن محكمة الأسرة.

ويستغرق تنفيذ الأحكام القضائية المرتبطة بالنفقة وحقوق المرأة بعد الطلاق وقتاً طويلاً، وطوال هذه الفترة التي تستمر عدة أشهر، وقد تصل إلى عامين، تعيش المطلقة وأولادها ظروفاً معيشية بالغة القسوة، إذا لم يكن لديها مورد مالي أو وظيفة أو تنصلت عائلتها من مساعدتها، ما دفع الحكومة إلى القيام بدور العائل وإلزام الرجل بدفع مستحقات النفقة بعد الطلاق.

وكثيرا ما ترهق المرأة المطلقة في مصر نفسها بسبب عناء البحث عن زوجها السابق كي تتوسل إليه أن يدفع لها النفقة سريعاً، وأمام زيادة مخصصات صندوق الأسرة، أصبح يكفيها رفع دعوى ضد الرجل ثم تحصل من الصندوق على قيمة مادية شهرية، بذات المبلغ الذي أقرته المحكمة كمساعدة عاجلة لتقوم الحكومة بدفعه إليها، وبعد ذلك يتم تحصيل المتأخرات من الزوج.

تلجأ شريحة من الرجال بعد الطلاق إلى تغيير مقار إقامتهم الرسمية، كي لا يتم الاستدلال على أماكنهم وإجبارهم على تنفيذ حكم النفقة، وتقف المطلقات عاجزات عن تحصيل الأموال التي تساعدهن على تربية وتعليم وتوفير احتياجاتهن وأبنائهن، وهو ما استوعبته الحكومة وقررت بموجبه أن تقوم بدور المغيث للمرأة وأولادها، والمحصّل المالي للنفقة.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن تكريس صندوق الأسرة في خدمة المطلقات وأبنائهن يحصنهن من القهر والابتزاز والتعنت عند البحث عن حقوقهن بعد الانفصال، فالمرأة يتم إرهاقها نفسياً، بينما يذهب الرجل ليتزوج من أخرى ويستمتع بحياته ويترك مطلقته تواجه صعوبات الحياة وعدم القدرة على توفير الحد الأدنى من متطلبات أولادها، لتُعاقب على طلاقها.

ويمثل تدخل الحكومة لحماية المطلقة وأولادها من تبعات الانفصال، حائط صد في مواجهة ظلم المجتمع للنساء اللاتي يحملن لقب مطلقات، حيث يتم التعامل معهن بتمييز وربما ابتزاز، حتى من بعض الأقارب، وكان من الضروري إنقاذ أسر هؤلاء النساء وعدم تأثر حياتهن مستقبلاً بأن صرن مطلقات، وحرمانهن من حقوقهن المشروعة.

ويقوم صندوق الأسرة بدور المطلقة في كل شيء لرفع العبء عنها، حيث يتولى الإنفاق عليها وأولادها، إلى حين الفصل في القضية الخاصة بالنفقة أو تسريع دفع النفقة لها طالما حصلت على حكم، ويتولى مهمة الاستعلام عن الدخل الحقيقي للرجل كي تكون لدى المطلقة وثائق رسمية تقدمها للمحكمة لتحصل بها على نفقة بمبلغ معقول.

وغالبا ما تكون أحكام النفقة هزيلة ولا توفر للمرأة وأولادها الحد الأدنى من الحياة الكريمة، بسبب إخفاق المطلقة في إثبات دخل الرجل، وهو ما تدخلت فيه الحكومة، بعدما وجدت أن الكثير من الأحكام القضائية تصدر بقيم مالية لا تؤسس لأسرة مستقرة، مع أن الرجل قد يكون يتقاضى مبالغ مالية كبيرة بشكل شهري، ولا يتم إثباته من جانب المطلقة بسهولة.

وكانت الحكومة المصرية تدعم المطلقة بمبلغ رمزي شهرياً من خلال بنك ناصر التابع لوزارة التضامن الاجتماعي، إلى حين حصولها على حقوقها بالقضاء، لكن البنك لم يعد قادراً على الوفاء بتلك الالتزامات أمام زيادة معدلات الطلاق، وتنصل الكثير من الرجال من دفع قيمة النفقة الزوجية، حتى تم إنشاء الصندوق الذي تضخ فيه الحكومة المليارات من الجنيهات لتوفير حياة كريمة لأسر المطلقات.

اهتمام الحكومة يضع حداً للتمرد 

وقال علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة إن تدخل الحكومة بتوفير موارد مالية للمطلقة بعد الانفصال يقضي على كل محاولات قهرها وإذلالها، ويضع حدا لتمرد بعض الرجال، لأن هناك شريحة كانت تنتقم من المرأة بالتهرب من النفقة، أو الطعن عليها، ووجود الدولة طرفا مساندا للمطلقة يحميها من الإرهاق النفسي والمعنوي، ويجعلها تتفرغ لأبنائها.

وأضاف أن الكثير من الرجال يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بعيدا عن عناء تربية الأبناء، وتوفير مصروفاتهم مستغلين وجود محامين مخضرمين في القضايا الأسرية، للالتفاف على دعاوى مطلقاتهم بشأن النفقة، وتقديم وثائق ومعلومات غير حقيقية، بهدف مد أجل التقاضي لأطول فترة ممكنة، أو دفع المحكمة إلى تقليل قيمة النفقة الشهرية عند النطق بالحكم.

وتوجد شريحة من الأزواج يتهربون من دفع النفقة لشعورهم بأن حصول المطلقة على أموالهم بعد الانفصال يحمل انتصاراً لها، وهذا يتناقض مع رجولته وكرامته، دون أن يدرك هؤلاء أن قيمة النفقة تذهب بالأساس للأبناء، والتنصل من دفعها يعرض حياتهم ومستقبلهم وأمنهم للخطر، فثمة مطلقات تطرد، هي وأولادها من السكن لعجزها عن دفع الإيجار الشهري.

ويعد اهتمام الحكومة برفع العبء عن المطلقة توجهاً إيجابياً جاء في توقيته، لكن من المهم محاسبة الممتنعين عن دفع النفقة وتسريع الفصل في قضاياها، لأن المطلقات في حاجة ملحة إلى مصدر رزق ثابت بعد الانفصال بعيداً عن إعانات الدولة، لأنها مهما كانت لها قيمة مؤقتة، فالأزمة المادية ستظل مستمرة، والضغوطات النفسية أشد، باعتبارهن يعشن في مجتمع لا يرحم المطلقة.

وكالات