مصر تحصّن المرأة المعيلة وأولادها ضد مخاطر الانفصال

أثار قرار تأمين المرأة عند الطلاق بصرفها مبلغا ماليا يدفعه الزوج عند إنهاء العلاقة الزوجية إلى حين الفصل في حقوقها المالية جدلا في مصر، وقوبل بالرفض من عديد الأطراف بتعلة زيادة العبء على الرجل، ومنح حقوق لطرف في العلاقة الزوجية على حساب الآخر، ما قد يقود إلى عدم الاستقرار الأسري مستقبلا، بينما تقبّلت النساء هذا القرار بارتياح.

وضع مجلس النواب المصري حدا لمعاناة المرأة، التي تعاني من مرارة الظروف المالية الصعبة بعد الطلاق، ووافق على قانون التأمين الموحد، ويتضمن صرف مبلغ مالي كتأمين إجباري يدفعه الزوج عند إنهاء العلاقة الزوجية إلى حين فصل محكمة الأسرة في قضية النفقة المقررة، ما يعين المطلقة على مواجهة صعوبات الحياة خلال الفترة، التي تعقب الطلاق مباشرة.

أثار الإعلان عن وثيقة التأمين على الطلاق جدلا في مصر، لأن الزوج ملزم بموجب التشريع الجديد بإيداع مبلغ مالي، تُقدّره الحكومة لاحقاً، في صندوق مخصص للمطلقات، حيث يرى الكثير من الرجال أن إلزامهم دفع نقود لهذا الغرض قبل الزواج أمر مجحف، بينما ترى أغلبية نسائية أن موقف البرلمان يحمل انتصارا لهن.

بررت بعض الأصوات الرافضة لوثيقة التأمين على الطلاق موقفها بأن الظروف المعيشية الصعبة وارتفاع تكلفة الزواج لم تكن بحاجة للمزيد من الأعباء المالية، التي تضاف على كاهل الرجل، ولا يجب أن يتم إلزامه بمستحقات تصرف بعد الطلاق، مع أن المبدأ في الزواج هو الاستمرار وعدم توقع انهيار العلاقة قبل أن تبدأ.

ويستند الرافضون إلى أن أية نصوص تشريعية تخص الأحوال الشخصية يتم تمريرها أولا عبر جهة الفتوى والأزهر الشريف، لمعرفة مشروعيتها الدينية، وطالما أن القضية شرعية كان يجب عدم تجاهل رأي المؤسسة الدينية، واعتبروا منح حقوق لطرف في العلاقة الزوجية على حساب الآخر قد يقود إلى عدم استقرار القوام الأسري مستقبلا.

وبلغ الجدل حد وجود آراء أسست رفضها للقانون الجديد، بأن الزوجة ربما تطلب الطلاق للحصول على الأموال، دون إدراك أن المرأة غالبا ما تكون أكثر حرصا على استمرار العلاقة الزوجية وتجاوز المواقف الصعبة لتجنب الحصول على لقب مطلقة، ورفضها أن يعيش أولادها بلا أب.

ويرى داعمون لفكرة صندوق التأمين على الطلاق أن الحكومة كانت محقة لعدم إجراء حوار مجتمعي، أو ديني حول القانون الجديد بسبب تشدد الرجال ضد كل ما هو منصف للمرأة، لكن الحكومة أدركت أن ترك المطلقة تواجه وأولادها صعوبات لحين الفصل في دعاوى النفقة الزوجية ما يجلب لها متاعب حياتية، لن تستطع تجاوزها بسهولة.

تقوم فكرة وثيقة التأمين ضد مخاطر الطلاق على أن غياب الدعم المالي للمرأة بعد الانفصال مباشرة، لاسيما إذا كان لديها أبناء، سيعرضها لصعوبات تخلّف أزمات أسرية، وتؤدي لتشريد الأبناء وحرمانهم من حقوقهم في أن يعيشوا حياة كريمة، لمجرد أن الأب اختفى من المنزل، ولم يعد هناك مصدر للدخل.

ووفقا لما تم تداوله إعلاميا نقلا عن أعضاء في مجلس النواب المصري، فإن حصول المرأة على المبلغ المالي المخصص لها في وثيقة الطلاق، سيكون مقيدا بشرط مرور ثلاث سنوات على العلاقة الزوجية، حتى لا تكون هناك شبهة استسهال في الانفصال، مع ضرورة توثيق الطلاق في السجلات الرسمية، لا أن يكون شفهياً، كي تستحق المرأة صرف حقوقها المالية من صندوق التأمين على الطلاق.

وميزة التشريع الجديد أن المطلقة في مصر لم تعد بحاجة إلى إنهاك نفسها في المحاكم لتسريع إجراءات النفقة الزوجية، إذ أجرت الحكومة قبل إعدادها القانون دراسة حول الفترة الزمنية بين توثيق الطلاق رسمياً حتى حصول المطلقة على حقوقها الشرعية، وتبين أنها قد تستمر عاماً، وطوال هذه الفترة قد تكون المرأة بلا مصدر دخل مستقر.

يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة، أن رفع العبء المادي عن المطلقة خلال الفترة، التي تعقب الانفصال يجنبها التعرض لضغوط قاسية، بحكم المعاناة التي تتعرض لها من شح مالي يدفعها إلى الاستدانة والإذلال لأسرتها أو المحيطين بها، لتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة المعيشية، والمعضلة الأكبر إذا كان لديها أبناء في مراحل تعليمية مختلفة ولا تستطيع الإنفاق عليهم.

أكدت الناشطة الحقوقية في قضايا المرأة بالقاهرة “عبير سليمان“، أن الشح المالي الذي تعانيه المرأة بعد الطلاق أكبر عقوبة لها، بالتالي فوثيقة التأمين ضد مخاطر الانفصال هي تصرف إنساني، لا مبرر لرفضه من جانب بعض الرجال، لأن التشريع يكرس استمرار حياة الأسرة بلا تصدعات تؤثر عليها لمجرد غياب العائل.

وأوضحت في حديثها، أن وجود وفرة مالية نسبية مع المطلقة بعد الانفصال لا يجعلها أسيرة لضغوط أو ابتزاز، بل مستقلة الرأي وحرة التصرف في اتخاذ القرار الذي يريحها ولا ينعكس سلباً على أولادها، فالنساء المعيلات أكثر فئة مستفيدة من وثيقة التأمين، لوجود أبناء في حياة المطلقة بلا مصدر دخل بما يصعب تحمل نتائجه.

وتتعرض المطلقة أحيانا لعقوبات معنوية من أسرتها لمجرد أنها أصبحت مطلقة، وقد يتم حرمانها من المساعدة المالية لإعانتها وأولادها على صعوبات الحياة. ومن هؤلاء شيماء حمدي، التي تعيش مع زوجها لأنها لن تجد الحد الأدنى من الدعم المالي بعد الانفصال، ومع أنها وصلت إلى مرحلة يستحيل معها استمرار العلاقة، لكنها تخوفت من تبعات الخطوة.

وبينت لصحيفة العرب: “إنها لا تعمل ولديها ثلاثة أبناء في مراحل تعليمية مختلفة، وكلما اشتكت عائلتها من سوء معاملة الزوج التي وصلت إلى حد الاعتداء البدني واللفظي، ترفض فكرة الطلاق وتهددها بعدم استضافتها في منزل العائلة أو الإنفاق عليها، وإذا انفصلت ربما تتسول لقمة الطعام والشراب إلى حين صدور حكم بالنفقة”.

تمثل وثيقة التأمين ضد الطلاق لشيماء، طوق نجاة لأي امرأة تتخلى عنها أسرتها عندما تقرر الانفصال دون تهديدها بعدم الإنفاق عليها كي تستمر في العلاقة، مؤكدة أن أكثر فترة تثير الرعب تلك التي تأتي عقب الانفصال مباشرة، فلا تعرف كيف تتصرف ومن أين تُنفق على أسرتها بعد غياب من كان يتولى تلك المهمة.

وأثار رفض مجلس النواب لإدراج المرأة، التي تحصل على الطلاق من خلال خلع زوجها ضمن مستحقي صرف التأمين بعد الانفصال، ردود فعل غاضبة من جانب بعض النساء، لكن ذلك يرتبط بتحفظ رسمي عام على استسهال الخلع لأسباب واهية، لا تستحق أن تُنهي العلاقة الزوجية، ولا يجب مكافأة امرأة هدمت أسرتها بيديها.

وتبدو رؤية الحكومة صائبة، لكن غاب عنها أن بعض النساء يلجأن إلى تطليق أنفسهن بالخلع بسبب رفض أزواجهن الاستجابة لهن بالطلاق دون صراع في المحاكم، لكنهن يتعرض للإذلال فيلجأن للقضاء برفع دعاوى خلع، ويخسرن أغلب الحقوق، لأن القانون يتعامل مع المرأة التي تخلع زوجها على أنها تنازلت عن مستحقاتها طواعية مقابل الطلاق.

وكالات