مشتل زهور يعيد مغترباً لوطنه

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

عائد من بلاد الغربة حاملاً على عاتقه وصية يسعى لتنفيذها، في مهنة بعيدة عن تخصصه الدراسي إلا أنها كانت رفيقة طفولته ومؤنسة والده، سليمان سطوف قرر العودة إلى وطنه ليعيد الحياة لمشتل والده، الذي كان يعمل به منذ 35 عاما، وقد هُجر بعد وفاته.

على مرأى البصر تشاهد الأشجار المتنوعة من العنب، والسرو وأنواع أخرى كثيرة مثمرة، اصطفت جنباً إلى جنب داخل مشتل في مدينة قامشلو، وفي منتصفها بيت بلاستيكي، زينت رفوفه أنواع عدة من الصبار والزهور المعلقة.

فقبل ستة أشهر عاد سليمان سطوف بعد اغتراب دام 14 عاماً في أوروبا إلى مدينته ليعمل إلى جانب أشقائه في مشتل والدهم الراحل، ويعيدوا افتتاحه تكريماً لذكراه، بعد إغلاقه لعامين.

حيث يعملون سوياً في تقليم وسقاية النباتات والزهور، والأشجار المختلفة، واستيراد بعض أنواعها من الداخل أو من الخارج، كما كان يفعل والدهم، ويعد المشتل أحد أقدم مشاتل قامشلو، إذ توارثته الأجيال حتى وصل إلى سليمان سطوف، الذي أبى أن يبقى مغلقاً، ليعود أدراجه من أجل العناية بالمشتل، وإحيائه من جديد.

رحلة عودة إلى أرض الوطن

عاش سليمان أحمد سطوف 33 عاماً في الغربة لسنوات، فقد سافر مكملاً دراسته في مجال هندسة السيارات وعاد بعد اغتراب طويل إلى موطنه ليتابع عمل والده، ويقول سطوف: إنه تعلق بالزراعة منذ نعومة أظفاره، إذ أن والده عشق الزراعة والزهور والأشجار بأنواعها، وقد كان الأبناء يساعدونه في زراعة الأرض.

وبين سطوف: “منذ سنتين بعد وفاة والدي، تراجع العمل في المشتل كثيراً، وقد كنت غير راغب بالعودة فقد كان عملي يسير بشكل جيد، ولكن كلما أُرسلت لي صورة أرض خضراء أو نبتة مزهرة بأرض والدي، كانت تذكرني بالأيام التي كنا نقضيها داخل المشتل، ونحن نزرع الورود، فهذا ما أجبرني على العودة، وأن أتابع مسيرة أبي في زراعة الأرض وتعشيبها”.

إن الوطن في قلب كل حي، وبحاجة إلى شبابه الذي هم بناته الحقيقيون، فعاد المهاجر إلى موطنه، مقررا البقاء دون الرجوع نافضاً الغبار عما تبقى من نباتات والده، يزرع ويجمل الأرض، بأشجار مختلفة يأتي بها من المناطق السورية المختلفة، كحماة، وإدلب، وحمص، واللاذقية.

ومع افتتاح المشتل، انضم إليه شقيقاه، في سقاية الأرض وزراعتها، فبالرغم من التحصيل العلمي المختلف لهم إلا أنهم اجتمعوا على حب الزراعة، وجمال الخضرة.

مشتل والده يعيد أمله في الحياة

لكن عمله هذا لم يكتمل لولا أن تعمل إلى جانبه أخته ياسمين ووالدتها في المنزل، حيث يقومان بزراعة البذور، والعناية بها في منزلهما في القرية، حتى تصبح البذور شتلات وفسائل صغيرة، فتؤخذ إلى المشتل لتصبح شجرات ينتفع بها الابن، فقد كانت ياسمين هي الدافع والمشجّع لسليمان للعودة إلى أرض وطنه ومشتل أبيه، والداعم الرئيسي في افتتاح المشتل.

وعن أسعار الشتلات التي ينتجها المشتل، فإن أشجار الحمضيات والسرو والصنوبر وغيرها تتراوح من 30 إلى 50 ألف ليرة سورية، أما أسعار الصبار فهي غالية قليلاً، لأن بذورها يستقدمها من خارج سوريا، وقد أحضرها سطوف من ألمانيا، وهولندا، ويصل سعر الصبارة إلى 55 ألف، كما تباع الغراس، والشتلات الربيعية التي تزرع في المنزل، مثل الريحان، وفم السمكة، وأكاليل الجبل، بأسعار تتراوح بين 15 إلى 20 ألف ليرة سورية.

يعاني مشتل سطوف كغيره من انقطاع المياه والكهرباء؛ بسبب الهجمات الأخيرة على البنى التحتية ومصادر الطاقة، حيث يجد صعوبة في تأمين السماد العضوي ومصادر المياه إلى مشتله، وحتى يتجاوز كلفة الأصص الكبيرة؛ يستخدم سطوف أكياس البلاستيك في زراعة الفسائل المختلفة.

كما يقول الأخوة: إن هذه ليست مهنتهم ولكنهم تعلموها وأحبوها على يد والدهم، وتكريما لذكراه سيستمرون في هذه المهنة، فقد أعاد المشتل لسطوف رونق حياته الجميلة التي طالما كان يحلم بها الحياة.

واختتم سليمان سطوف حديثه قائلاً عن بلده: “إن وطننا جميل، ونجد فيه الراحة، التي كنت أفتقر لها في بلاد الغربة، لذلك قررت القدوم والاعتمام على الزراعة، لتطوير بلدنا، فقامشلو ومناطقنا جميلة، ولكنها بحاجة لعناية، ونحن من سيبنيها، عدت من أجل وصية والدي، إلا أنني آمنت بعد سنوات الغربة، التي عشتها في الخارج، أن وطني يحتاجني، ولا بد من أن أجمِّل ربوع بلادي”.