رامان آزاد_
لم يكن مشهد ظهور أحد أقطاب منظمة “الذئاب الرماديّة” في عفرين المحتلة عابراً، ولا يشبه زيارات القادة العسكريين الأتراك، وكان للمشهد دلالته في المخطط، الذي يتم تنفيذه في المناطق المحتلة كلها، والذي يتجاوز الأهداف المعلنة بالسيطرة العسكريّة، وحتى زج المرتزقة السوريين في المعارك، وتوطين حاضنتهم الاجتماعيّة فيها، وذلك بالنظر إلى تاريخ المنظمة الموصومة بالإرهاب في العديد من الدولِ، وتنفيذها مئات الاغتيالات وعقيدتها العنصريّة.
عَزَلتْه لجنة التحقيق فعاد رغماً عنها
بعد إجراءاتٍ ماراثونيّةٍ وجلسات طويلة للجنةِ التحقيق الثلاثيّة، التي استغرقت شهرين، لبحثِ الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات المرتكبة من قبل مرتزقة “سليمان شاه/ العمشات” ومتزعمها المدعو “محمد حسين الجاسم” وأشقاؤه، في ناحية شيه/ شيخ الحديد، أصدرت اللجنة في 16/2/2022 قرارها النهائي القاضي: بعزل محمد جاسم” أبو عمشة” عن مهامه الموكلة إليه كلها، وعدم تسليمه أيّ منصبٍ لاحقاً، لما ثبت عليه من الدعاوى، وذلك لتجنيب المنطقة من احتمالاتِ الاقتتال، وسفك الدماء، وشعل نار الفتنة، وحسب البيان تمَّ عزلُ خمسة قياديين: وليد حسين الجاسم (سيف)، ومالك حسين الجاسم (أبو سراج)، وأحمد محمد خوجة، وعامر عذاب المحمد، وحسان خالد الصطوف (أبو صخر)، لثبوت التهم الموجهة إليهم.
وبررتِ اللجنة التأخير بإصدار القرار، “إنَّ التهديد والوعيد الذي مورسا على كثير من الذين شهدوا الوقائع، جعلهم يمتنعون عن الشهادة، خوفاً من بعض قادة هذا الفصيل، ودفع آخرين إلى التراجع عن شهادتهم، ما عرقل عمل اللجنة، وأخّر صدور قرار الإدانة”.
ولم يتضمن قرارُ اللجنةِ إجراءاتٍ عقابيّة، ما خلا العزل، فلم يشر إلى إعادةِ الأموالِ المنهوبةِ من الأهالي، ولا إلى التفاصيلِ المتعلقةِ بالانتهاكات، ولا اتهاماتِ القتلِ، ولا للإمارة الخاصةِ، التي أنشأها المدعو “أبو عمشة” لنفسه ولإخوته، وعلاقته مع “هيئة تحرير الشام”، وفيما ساد التوترُ، ورُفعت الجاهزيّة القتاليّة لاحتمالِ تنفيذِ قرار اللجنة بالقوة، صدر في 1/3/2022 قرارٌ بتعيين المدعو “عبد المنعم نعسان” قائداً لناحية الشيخ حديد، وحلّ الأمنية، وتفعيل مفرزة للشرطة العسكريّة، وإزالةِ الحواجز والنقاط العسكريّة.
وعُقد اجتماعٌ في 8/3/2022 حضره متزعمو المرتزقة من قياداتِ ما يسمّى “هيئة ثائرون للتحرير”، والحكومة المؤقتة التابعة للاحتلال، والمدعو العميد “حسن حمادة”، المسمّى وزيراً للدفاع، تدخلتِ الاستخباراتِ التركيّة، ورفضت تنفيذَ قرارَ اللجنة، ليعودَ “أبو عمشة” إلى ناحية شيه في 13/3/2022، برفقةِ قياداته كافة، مع أخوته، فنشرَ الحواجزِ على مداخلِ ومخارج ناحية شيه، ويستعيد نفوذه وسيطرته مجدداً، وعاد برفقته عميلُ الاستخباراتِ التركيّةِ الضابط الطورانيّ “يوسف ضياء أرباجيك”، وبذلك يُعرفُ من أين يستمدّ “أبو عمشة” قوته، ليعودَ رغم قرارِ النفي، ما يؤكّد أنّ الهياكل التنظيميّة السوريّة الإداريّة والعسكريّة كلها تابعة للاستخبارات التركية، ومجردُ شكلٍ لا وزن لها، والقرار لمنظمةِ موصوفة بأنّها “إرهابيّة” بتفويضٍ من الاستخبارات التركيّة.
عاد “أبو عمشة” وكأنّ شيئاً لم يحدث، وراح يتجول بين المناطق المحتلة من عفرين إلى تل أبيض، ويعبر الحدود إلى كلّس وتركيا بصورةٍ طبيعيّة، ويحضر الاجتماعاتِ مع مناوئيه من متزعمي المرتزقة، الذين سعوا لإنهائه، ويلتقط معهم الصورَ التذكاريّة، بل عادتِ الانتهاكاتُ بالوتيرةِ السابقة، ويتم تعقّبُ كلّ من أدلى بشهادةٍ أمام اللجنة للانتقام منه، واقتحم المدعو “مهدي صالح العبادي” أحد المقرّبين من “أبو عمشة” مع مجموعةٍ مسلّحة بالقوةِ منزل المواطن “عارف بكر حيدر” في قرية جقلا، وضربوا، وأهانوا من فيه، وصادروا الهواتف المحمولة، وتعمّد عناصره نشر الفوضى، وتشجيع المستوطنين الرعاة على استفزازِ الأهالي، بنشر مواشيهم في حقولهم الزراعيّة، وعاد مسلسل الاختطافِ.
قائد “الذئاب الرماديّة” في عفرين
يُعرفُ يوسف ضياء أرباجيك Yusuf Ziya Arpacık بتوجهاته الطورانيّة، وهو متزعم “اتحاد الرياح/ Rüzgar Birliği” أحد مكوناتِ “منظمة الذئاب الرماديّة”، وهو أحد أركان “الحركة القومية التركية- MHP ومن رجال مؤسسها “ألب أرسلان تركيش”، أحد قادة القومية التركيّة، تأثر بالنازية، واتخذ موقفاً مؤيداً لهتلر أثناء الحرب وطوّر علاقاته مع القادة النازيين الألمان.
سبق أن ظهر “أرباجيك في دول عدة، حيث شارك بحرب كاراباخ عام 1992 إلى جانب أذربيجان ضد أرمينيا، ثم انتقل إلى كركوك عام 2003 وكان على صلاتٍ مع الجماعاتِ الدينيّةِ في العراق، وتنقل بين دول عدة في أفريقيا، وآسيا، والشرق الأوسط، كآلة دعائيّة للجيش التركيّ، وله صورة على الجبهة العراقيّة في 29/12/2021، إضافة لصورٍ في سوريا؛ جبل التركمان، مناطق بإدلب، تل أبيض، وعفرين، وأخرى يُحيّي المرتزقة السوريين الذين أرسلتهم تركيا إلى ليبيا.
له خمسة مؤلفات، يمجّد فيها القوميّةَ التركيّة، وقوتها العسكريّة، أولها بعنوان “لم ينحنوا”، ويتقن اللغاتِ الإنجليزية والعربيّة، والفارسيّة، والروسيّة.
نشر أرباجيك صوراً في صفحته الشخصيّة لزيارته إلى عفرين المحتلة، ولقاءاته بمتزعمي المرتزقة وعلّق عليها بالقول: Selam olsun Turan Ordusu’nun Silahlarına… Selam Libya’da Kafkaslar’da destan yazanlara.
“تحية لبنادق جيش طوران… مرحباً لمن كتب قصصاً ملحميّةً في القوقاز وفي ليبيا”. أي أنّه يعدّ المرتزقة السوريين المنضوين، فيما يُسمّى “الجيش الوطنيّ” أتراكاً، ويعدّ المناطق المحتلة أراضي تركيّة، ومناطق تركمانيّة، ويذكرها بأنها سناجق حلب، والشام والموصل، وفيما يطلب من الأطفال، أن يقلدوه برفع إشارة “الذئاب الرمادية” يعلق على ذلك بالقول: “تحياتي لزهور الحب التي تنمو في أراضي طوران”.
وفي زيارته إلى ناحية شيه في 27/3/2022 خطب بالمرتزقة باللغة العربيّة، وأشار إلى وحدة العدو، والحرب المشتركة ضده، متوعداً بالانتقام، مؤكداً على الدعم والمساندة، واصفاً المرتزقة “بالمجاهدين في سبيل الله”.
“الذئاب الرماديّة” أداة احتلال
لا يقتصر حضور عناصر “الذئاب الرماديّة” على حضور المدعو “أرباجيك”، فهناك العديد من المشاهد خلال العدوان على عفرين، فقد ذكر المرصد السوريّ لحقوق الإنسان في 1/2/2018 أنَّ تركيا، ورغم مئات الضربات الجويّة والمدفعيّة، ورغم أنّها زجّت قواتها، إضافة إلى “الذئاب الرمادية”، لم تستطع أن تسيطر سوى على ثلاثة بالمائة من قرى منطقة عفرين، كما أجبر الجنود، والمرتزقة أطفال القرى المحتلة على رفع أيديهم بإشارة “المنظمة”، ورفع جندي تركيّ يده بالإشارة في مدخل ناحية راجو يوم احتلالها في 4/3/2018، وكتب على الجدارِ “لا أعرف من أحرق روما، ولكن نحن من أحرقنا راجو”، وفي أولى مشاهد الاحتلال التركيّ لعفرين، كان لافتاً رفع إشارة “الذئاب الرماديّة”، رغم أنَّ ذريعةَ الاحتلالِ كانت نصرة السوريين، والأمن القوميّ التركيّ، فيما الإشاراتُ العنصريّة تؤكدُ أنّ الحربَ كانت بدوافع عنصريّة، وبغاية الإبادةِ العرقيّة.
خلال العدوان على عفرين ظهر أردوغان في 10/3/2018 يرفع إشارة “الذئاب الرماديّة”، دون إشارةِ “رابعة الإخوانيّة”، في دلالة على استغلالِ البعدين الدينيّ والعرقيّ، اللذين تم استثمارهما في سوريا لاستقطابِ التركمانِ والإخوان المسلمين، وفي توضيحٍ للأهداف البعيدة للاحتلال نقلت صحيفة “قرار” قول رئيس منظمة “الذئاب الرماديّة” السابق “أولجاي كلافوز”، عام 2016 أثناء إرسال شاحنات المساعدات لمرتزقة أنقرة: “لا يمكنُ تركُ ميراثِ أجدادنا في سوريا، وفي حلب”.
التغييرُ الديمغرافيّ في عفرين، بدأ مباشرةً مع أول أيام الاحتلال بتوطينِ الموالين لأنقرة، ولعائلات المرتزقة، ولحاضنتهم القادمين من الغوطة الشرقيّة، وريف دمشق، وريفي حمص وحماه وإدلب، وكذلك “الذئاب الرماديّة”، مقابل تهجير 350 ألف مواطن من أهالي عفرين، وفُرض على أطفال دار للأيتام في قرية كوتانلي في ناحية بلبله/ بلبل ترديدُ العباراتِ العنصريّةِ، وأظهرت مقاطع مصوّرة أثناء افتتاح دار الأيتام تعليم المعلمين، والمشرفين الأتراك للتلاميذ شعار “المنظمة”.
تكرر المشهدُ نفسه في احتلالِ مدينتي رأس العين، وتل أبيض في تشرين الأول 2019، فقد نعتِ فصائلُ المرتزقة المشاركةُ بالعدوانِ مقتلَ المرتزق “موفق يحيى ناجية” في رأس العين، وهو ينحدرُ من حمص، ونُشرت صورته رافعاً يده بإشارة “الذئابِ الرماديّة.
بعد تحرير تل أبيض/ كري سبي من مرتزقة “داعش” في 15/6/2015 روّجت أنقرة لدعايةِ التغييرِ الديمغرافيّ والتهجيرِ القسريّ للتركمان، لتصنعَ بذلك قضيةَ مظلوميّةِ التركمانِ، وتكونَ عاملَ تحريضٍ قوميّ، ومبررَ التدخلِ العسكريّ، ولم يقتصر الاحتلال التركيّ لجرابلس في 24/8/2016، على دخول المرتزقة الموالين لأنقرة، فتوالت زياراتُ المسؤولين الأتراك، ليبدأ التغييرُ الإداريّ والتحكّمُ التركيّ بالمدينة، ويُكشفَ عن وجودِ “الذئاب الرماديّة” التركيّة، وفصائل تركمانيّة كانت تقاتلُ باسم “الجيش الحر” سابقاً بريف اللاذقية، وريف إدلب وغيرها، وباحتلال مناطق في شمال سوريا، أضحى لديها مكاتب في مدينة جرابلس، وعفرين والباب ورأس العين، وتل أبيض.