أربعة ليالٍ قضاها الشاب أحمد الخطاب (35 عاماً) في أحد مراكز الترحيل التركية بعد فشله في عبور الحدود السورية التركية شمالي إدلب، إذ تعرض خلالها للتعذيب والإساءة، على يد حرس الحدود التركي “الجندرمة”.
ونزح “الخطاب” قبل نحو عامين من بلدته بمنطقة جبل شحشبو غربي حماة إلى مخيمات قاح شمالي إدلب، ونتيجة لسوء وضعه المعيشي قرر اللجوء إلى تركيا بطريقة غير شرعية، عله يحظى بفرصة عمل جيدة تساعده في إعالة عائلته. ولكن لحظة وصوله للحدود التركية، وجد عناصر “الجندرمة” أمامه، إذ لم يدخروا وسيلة لتعذيبه وإهانته إلا واستخدموها. ويقول معبراً عما مر به: “انهالوا عليَّ بالضرب بواسطة عصى معدنية بدون شفقة ولا رحمة، لتأتي ضرباتها على كل جزء من جسدي، ناهيك عن توجيه الألفاظ النابية لنا طيلة فترة الحجز”. وبعد ما تعرض له “الخطاب” من إهانة وضرب، فضل البقاء حيث يسكن مع عائلته في المخيم على اللجوء إلى تركيا.
وأجبرت العمليات العسكرية التي شهدتها مناطق شمال غربي سوريا، في نيسان عام 2019 والتي استمرت حتى مطلع 2020، ما يقارب مليوني شخص من أرياف حماة وحلب وإدلب على النزوح، بحسب تقارير صحفية.
ويذكر أنه في مطلع تشرين الثاني 2015، أغلقت تركيا حدودها أمام السوريين، ببناء جدار إسمنتي على طول الخط الحدودي من مناطق بريف اللاذقية وإدلب وحلب وصولاً إلى ريف الحسكة، إضافة لنشر جنودها على طول الخط المذكور.
تعذيب وإذلال
وتجرع فؤاد الفجر (22 عاماً)، من ذات كأس “الخطاب” وإن اختلفت قصته في بعض تفاصيلها. وبدأت قصة “الفجر” حين أقدم على تسليم بطاقة الحماية المؤقتة (الكيملك) لأحد مراكز الشرطة في مدينة الريحانية التركية، لكي يعود إلى إدلب بعد توقف عمله في تركيا. وبلهجة عامية غاضبة قال “الفجر”: “ما في عندهم لا رحمة ولا شفقة”.
ودخل الشاب تركيا بشكل رسمي بجواز سفر منذ خمس سنوات، ولكن رغم ذلك تفاجأ بقيام الشرطة بتسليمه إلى حرس الحدود التركي، وحجزه في أحد مراكز الترحيل لديهم لأكثر من أسبوع. وتعرض “الفجر” لأسوأ معاملة، “ناهيك عن التعذيب والضرب الشديد على يد الجنود الأتراك”.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين ضمن نظام الحماية المؤقتة في تركيا 3.665.946 شخصاً بحسب إحصائية أصدرتها جمعية اللاجئين السوريين في 17 من أيار الحالي. وتقوم القوات التركية بتجميع الأشخاص الذين يحاولون دخول الأراضي التركية بطريقة غير شرعية في مراكز الترحيل القريبة من الحدود السورية التركية حتى يصل عددهم إلى مئة شخص. وبعد ذلك تقوم “الجندرمة” بإرسالهم عبر “باصات” إلى الأراضي السورية عن طريق معبر “باب الهوى” الذي تديره ما تُسمى هيئة تحرير الشام، هذا ما قاله “الفجر”.
تعذيب حتى الموت
ويلجأ معظم من يحاولون دخول الأراضي التركية إلى طرق تهريب خطرة في ظل عدم توفر طرق أخرى لجمع شمل عائلاتهم أو تأمين عمل لتلبية احتياجاتهم. وفقد الشاب باسل حمدو حاج موسى، النازح من قرية بزابور جنوبي إدلب، حياته تحت التعذيب على أيدي “الجندرمة” أثناء محاولته العبور إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية في العشرين من شهر أيار الجاري. وذكر تقرير طبي صدر حينها عن إحدى النقاط الطبية في ريف إدلب، أن الشاب “حمدو” تعرض لتعذيب شديد شمل “الجلد والكي بقطع معدنية ساخنة”، بحسب سامر الهلال، وهو اسم مستعار لأحد ذوي القتيل.
وأضاف “الهلال” في حديث لنورث برس، أن “باسل” توجه إلى تركيا بقصد العمل هناك من أجل تأمين قوت أطفاله الذين تركهم في أحد مخيمات النزوح شمالي إدلب.
“..أطفاله أيتاماً ودون معيل”
وقال عبد الرحمن العمر (43 عاماً) وهو اسم مستعار لعامل في مجال توثيق الانتهاكات في شمال سوريا لنورث برس، إنهم وثقوا أكثر من 50 حالة تعرضت للتعذيب والضرب المبرح منذ مطلع هذا الشهر، في مراكز الترحيل التركية، بينهم أطفال دون الثامنة عشرة عاماً. وبلغ عدد من فقدوا حياتهم تحت التعذيب على يد “الجندرمة” التركية، منذ مطلع العام الجاري أربعة أشخاص، بحسب “العمر”. وأشار إلى أن الإحصائيات أكبر من ذلك بكثير، نظراً لصعوبة توثيق جميع الانتهاكات التي تقوم بها “الجندرمة” التركية داخل مراكز الترحيل والمعتقلات المؤقتة.
كما يتخوف ذوو بعض القتلى من الحديث عن المتسببين في قتل أبنائهم وإثارة الموضوع لتبقى أسيرة الكتمان وتزيد من معاناتهم في مخيمات النزوح.
