مدينة انطاكية

تقرير/ آرين شنكالي –

مدينة انطاكية درّة مدن سوريا تبعد ثلاثين كيلومتراً عن ساحل المتوسط، وعلى الضفة اليسرى لنهر العاصي، بناها «سلوقس نيكاتور» سنة 301 ق.م وسماها أنطاكية على اسم أبيه أنطيوخوس، واحبها حباً جماً، حتى أنه أمر بأن ينقل إليها كل ماله قيمة تاريخية وتراثية من أنقاض مدينة «أنتغونا» المهدّمة، ومنح سكان المنطقة حقوق مساوية لحقوق اليونانيين ليشجّعهم على الانتقال إليها، وازدهرت بذلك المدينة حتى صارت أجمل الممالك السلوقيّة وعاصمتها من البحر المتوسط إلى حدود الهند.
عُرفت المدينة بأجوائها ومناظرها الخلّابة والطبيعة الساحرة حتى أنّ ياقوت الحمويّ قال عنها «وكان العرب إذا أعجبهم شيءٌ نسبوه إلى أنطاكية»، فضلاً عن المعابد والأضرحة والأوابد الأثريّة المتميزة فيها.
استولى العثمانيون عليها عام1489م. وأهملوها حتى أضحت قرية مهمّشة على طريق التجارة إلى حلب، وفي بدايات القرن السابع عشر أصبحت من المرافئ الهامة في طريق التجارة الأوروبية وضمّت العديد من القنصليات الأوروبيّة، وعندما احتلها ابراهيم باشا كانت الغالبيّة العظمى من سكانها من السوريين عام 1832م. وبعضاً من الأتراك والأرمن واليونانيين.
كانت أنطاكية من أوائل المدن التي نشأت فيها المسيحيّة وازدهرت، وأصبحت مقراً للعديد من البطركيات المسيحيّة في الشرق، حيث كانت مقراً لتبشير «مار بطرس». وكانت ثالث أهم الكنائس بعد روما والاسكندرية وبنيت فيها كاثدرائية عظيمة في الفترة «327-341» ، وظهرت فيها فيما بعد الهرطقات الآريوسيّة ومن ثم النسطوريّة، وقلّت أهميتها وتضاءلت بعد تنامي دور القسطنطينية وتشييد بطريركية القدس. عُرفت أنطاكية بتنوعها الإثني والقوميّ وكانت مثالاً للتعايش السلميّ والأخويّ وعُرفت كجزء من سوريا الطبيعيّة، وبعد أن خضعت سوريا للانتداب الفرنسيّ كانت تركيا السبب في بثّ التوتر والنعرات الدينيّة والمذهبيّة الطائفيّة وكانت أنطاكية من المناطق التي خضعت لاستفتاء مزعوم ليتمَّ بعدها سلخ أنطاكية من الوطن الأم مع اسكندرون ووكيليكيا عام 1938م، ليتحوّل اسمها إلى «هاتاي».