الإسمنت عدو حقيقي لحياة البشر الذين يُقبِلون عليه بشراهةٍ، لبناء منازلهم ومدنهم دون الأخذ في الاعتبار مخاطره التي تزداد يوماً بعد يوم. مدينة آكري في باشور كردستان انتبهت إلى هذا السم الأسود، وقررت أن ترمم أحياءها القديمة بالحجارة دون سواها، رغم أنها لا تمنع اعتماده في العمارة داخل الضواحي.
يغلب الإسمنت على معظم المدن الكردية بباشور كردستان، لكن مدينة آكري الواقعة شمالاً تتميّز بطابع معماري مختلف، فوسطها مبني حصراً بالحجر، ويحاول أهاليها الحفاظ عليه بهدف حماية وجهها التاريخي، لكن أيضاً من أجل درء مخاطر التغير المناخي.
أزقّة البلدة القديمة في أكري ضيّقة جداً، إلى درجة أنه أحياناً لا يمكن إلّا للحمير نقل البشر والبضائع، وكانت تضاريسها هذه التي يصعب اختراقها سبب إنشاء مدينة آكري قبل 2700 عام في الهلال الخصيب.
وفي آكري مواقع أثرية تؤكد الأهمية التاريخية التي تحظى بها هذه المدينة، وقد عدّها بعض المؤرخين من بلاد “المرج”، وبالقرب منها آثار قديمة تدل على تاريخ حافل مثل شوش وشرمن وكندك.
وجه المدينة التاريخي
وتطل المدينة الكردية على واديين فسيحين فيهما بساتين الفاكهة، وداخل الوادي الشرقي شلال “سيبه” الذي يؤمه الزوار والمصطافون للتمتع بمنظره الخلاب وطقسه البارد صيفاً، فضلاً عن عيون “كاني زرك” التي تنبع منها مياه شلال سيبه.
وباتت تسمى “عاصمة نوروز”؛ إذ يؤمها المحتفلون بالعام الجديد من مختلف الدول المجاورة والمهاجرون الذين يزورونها في هذه المناسبة، حيث تخطف الأضواء بطريقتها المميزة في الاحتفاء وطقوسها النوروزية الفريدة.
وفي حين لا يزال يسمح باستخدام الإسمنت في البناء داخل الضواحي، مُنع استخدامه في البناء والترميم وسط المدينة التاريخي منذ عام 1991.
ويذكر بلند رضا زبير رئيس بلدية أكري أن: “المباني الحجرية لديها بالتأكيد قدرة أكبر على المقاومة”، مضيفاً أن الحجر يسمح بالتخفيف من “تأثير التغير المناخي” لأن “الإسمنت يرفع درجات الحرارة ويؤثر على البيئة”.
ونتيجة لبنائها بالحجر صارت ألوان مباني وسط المدينة تتراوح بين الأصفر الشاحب والبني النحاسي.
الحياة دون تعقيدات
ويقول المهندس المُشرف على ترميم المنازل في آكري جميل صديق إن هذا المبنى كان عبارة عن “ثكنة عسكرية” آنذاك.
وتستقدم الأحجار المستخدمة في عمليات إعادة الترميم من الجبال، ويستخدمون الأحجار الجيرية للبناء، ومن السهل على الناس البناء بالحجر، فهو رخيص ومتوفّر.
ويضيف أن الحجر يُشكل: “عازلاً حرارياً جيداً. الجدران الحجرية عريضة، جدار الإسمنت مثلاً سمكه 20 سنتمتراً، لكن جدار الحجر يتراوح سمكه بين 40 و60 سنتمتراً”.
ويقطن بيوار مجيد (عامل بأجر يومي يبلغ من العمر 37 عاماً) في أعالي آكري، على عتبة بابه تلجأ قطط صغيرة إلى الظلّ فيما الحرارة تفوق الأربعين درجة مئوية، لكن داخل بيته الجوّ معتدل بفضل الحجارة التي بُني بها.
ويقول الرجل: “لست بحاجة إلى مكيّف، عندي مبرّد، يكفيني وهو أقلّ ثمناً”، مشيراً بيده إلى هذا الجهاز الذي يعمل على المياه التي تنعش الغرفة.