لا تغييرَ في مضمونِ المشروعِ الاحتلاليّ التركيّ شمال سوريا، وما يحدث هو مجرد تغيير في العناوين والشعارات، عبر استغلال المضمون الإنسانيّ لقضية اللاجئين السوريين، ويأتي ذلك بعد تنفيذ هجمات احتلاليّة، استخدمت فيها تركيا مرتزقة سوريين، فيما الشطر المكمل للخطة يعتمد على الحاضنة الإخوانية لإنجاز التغيير الديمغرافيّ. وحديث أردوغان الأخير عن عودة اللاجئين واستثمارات في حلب هو عنوان تجميليّ لهدفٍ احتلاليّ.
رامان آزاد
حلب في قلب الخطة التركيّة
أفادت صحيفة “صباح” المقربة من الحكومة التركيّة، بأنَّ الرئيس التركيّ أردوغان، أصدر تعليماتٍ بتشكيلِ آليّة ثلاثيّة لتحفيزِ عودةِ اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم.
وأشار موقع “تركيا الآن” نقلاً عن الصحيفة أنّه تم تشكيل آلية ثلاثية بين كل من وزارة الداخلية، وحزب العدالة والتنمية وكتلته النيابيّة في البرلمان.
وذكر الموقع أنّه وفقاً لخارطة طريق الآلية الثلاثيّة، من المقرر إحياء الحياة الاقتصاديّة والتجاريّة في شمال سوريا، والسماح لرجال الأعمال بمن فيهم الأتراك بافتتاح منشآت ومصانع هناك، لخلق فرص عمل، وذلك لتأمين الشروط لعودة مئات آلاف من اللاجئين السوريين لبلادهم.
وأضاف: “أحد أبرز الجوانب الهامة في خارطة الطريق هذه، هو وضع حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، في قلب هذه الخطة، عبر إحيائها اجتماعيّاً وتجاريّاً”.
وأكد الموقع أن “تركيا تواصل مباحثاتها مع الجانبين الروسي والسوريّ لضمّ حلب إلى خارطة الطريق، في خطوة تهدف إلى خلقِ فرص عملٍ لمئاتِ آلاف المهجرين السوريين في تركيا”.
جيب إخوانيّ
وسبق أنّ تحدث مستشار الرئيس التركيّ ياسين أقطاي عن هدف الوصول إلى حلب ووضعها تحت الإدارة التركيّة، وقال خلال لقاء متلفز على “قناة البلد” التركيّة، أنّ السيطرة على مدينة حلب ستخفف عدد اللاجئين السوريين، وأشار أقطار إلى أنّ الحل الأمثل لإعادة ملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأن تكون حلب تحت السيطرة التركيّة، وأنه بهذه الطريقة سيعود الملايين من السوريين إلى حلب بمحض إرادتهم.
وحسب أقطاي، فإن الجهة الفاعلة في المنطقة هي تركيا وسيكون وجودها طمأنة للناس من الناحية الإنسانية زاعماً أن السوريين لا يمكنهم الوثوق إلا بتركيا. وادّعى أنّ بلاده لم تتمكن من وقف تدفُّق اللاجئين بشكل كامل من سوريا إلا من خلال عملياتها في سوريا، والتي فتحت الطريق أمام عودة بعض اللاجئين، الذين أرادوا ذلك طوعاً لا كرهاً.
وأشار أقطاي في حديثه إلى مقال نشرَه “الإخوانيّ” محمد مختار الشنقيطي في موقع الجزيرة، بعنوان “حلب هي الحل” تحدّث فيه عن سيناريو افتراضيّ للحلِّ في سوريا، ووصفه بالوحيد في سوريا، ويتضمن السيطرةَ التركيّة على حلب، ويزعم أنّها ستكون حلب تحت سيطرة المعارضة السوريّة.
لكن حديث أردوغان الجديد عن حلب والاستثمارات مجرد غطاء لمشروع سياسيّ، ويأتي بعد أيام قليلة من استقباله لوفد من كبار شيوخ “الإخوان”، برئاسة علي قره داغي وضم الشيخ أسامة الرفاعي، وكذلك الإخوانيّ الموريتاني محمد مختار الشنقيطي، وأكّد أردوغان للوفدِ مواصلة دعمهم وعدم التخلّي عنهم.
المفارقة أن مدينة حلب التي تتحدث عنها أنقرة اليوم، هي نفسها التي شهدت مجزرة حقيقية لمعاملها، وتم تفكيك آلاف المصانع وترحيلها إلى تركيا، عدا الدور التركيّ بدعم المرتزقة في قصف الأحياء السكنية وبخاصة حي الشيخ مقصود، الذي أشرف عليه ضباط استخبارات تركيّة.
بذلك تتضح القطبة المخفية اليوم، في خطة إعادة التي يتحدث عن المسؤولون الأتراك فالتغيير الديمغرافيّ لا يقتصر على عمليات استبدال سكانيّة، بل على إيجاد جيبٍ إخوانيّ موالٍ لها بالمنطقة.. بجعل شمال سوريا جيباً إخوانياً موسّعاً موالياً لأنقرة، والتي يبدو أنّها موضوعة على الطاولة، وأنّ الإخوان قد أُحيطوا علماً بذلك، وهو خيارٌ بديل فيما لو تعثر المسار التفاوضي مع دمشق، وسيكون ذلك حتماً على حساب المناطق التي تحتلها تركيا وخاصة عفرين، والتي سيتم تصفية قضيتها بالكامل، بذرائع الأمن القومي والعودة الآمنة للاجئين السوريين.
عودة أم إعادة؟
قضية اللاجئين السوريين كانت أحد أهم الملفات المطروحة للبحث خلال اللقاءات، التي جرت برعاية روسيا بين الجانبين السوريّ والتركيّ، وفي البيان الختامي لاجتماعهم بموسكو في 10/5/2023، أعلن وزراء خارجية تركيا، وروسيا، وإيران، وسوريا الاتفاق على تسهيل ضمان عودة السوريين إلى وطنهم الأم “بشكل طوعيّ وآمن ومشرف”.
لكن الأمر ليس بتلك السهولة التي يمكن أن يضمنها اتفاق سياسيّ، بل المسألة تتعلق جوهريّاً بالأسباب، التي أدت للجوء وهي الحرب نفسها، وفقدان الأمن وتدمير البنى التحتية وتراجع الخدمات والخشية من ردود فعل انتقاميّة عبر عمليات الاعتقال، وذلك كله يتطلب حلاً شاملاً للأزمة السوريّة، والمسار التصالحي كان اجتزاءً للأزمة السوريّة، يقتصر على إجراءات أمنيّة بين الطرفين على حساب أطرافٍ سوريّة. ومن جهة ثانية فرضته حسابات انتخابيّة.
مجدداً عاد اللاجئون السوريون لتصدّر المشهد السياسيّ الساخن في تركيا بعد نحو ثلاثة أشهر على الانتخاباتِ الرئاسيّة والتشريعية، التي فاز بنتيجتها الرئيس التركيّ أردوغان وحزبه على المعارضة رغم استخدامها ملف اللاجئين السوريين، الذي يعد من المواضيع الحسّاسة في الشارع التركيّ.
وتشهد عموم الولايات التركيّة، وخاصة إسطنبول حملة أمنيّة مؤخراً تهدف وفق ما أُعلن إلى مكافحة الهجرة غير النظاميّة، وتزامنت مع انتشار مقاطع مصوّرة لحالاتٍ اعتداء عناصر الأمن الجندرمة التركيّة على مهاجرين سوريين. ويومياً تتدفق إلى المعابر الحدوديّة قوافل السوريين المرحلين قسراً، ويجبرون تحت الضرب على التوقيع على وثائق العودة الطوعيّة.
وصرح وزير الداخلية التركيّ علي يرلي قايا في 24/7/2023 بأنّه لا توجد حالات ترحيل لسوريين من حملة الكيملك بسبب الإقامة في ولاية غير ولاية إصدار الكيملك ومن يضبط تتم إعادته إلى ولايته، وليس ترحيله، مردفاً: “لا توجد مشكلة مع السوريّ حامل الكيملك والمقيم في ولاية إصدار الكيملك”. وأشار إلى تدريب 200 ضابط ورئيس مخفر بهدف رفع الكفاءة في التعامل مع اللاجئين وضمان عدم الإساءة.
لا تغيير في السرديّة العدديّة
يروّج المسؤولون الأتراك لفكرة أنّ عمليات العودة الطوعيّة تجري بشكل انسيابيّ وطوعيّ، عبر ذكر أعداد السوريين الذين عادوا، إلا أنّ السرديّة العدديّة التركيّة تنطوي على تناقض ومبالغة، فمن جهة تتحدث عن زيادة مطّردة للسوريين ولكن دون إنقاص عدد السوريين الإجماليّ على أراضيها والذي رواح عند 3.7 ملايين، وذلك رغم موجات الهجرة المتواصلة إلى أوروبا خلال السنوات الماضية.
وقال أردوغان في كلمة ألقاها في 1/10/2022 في البرلمان التركيّ: “منذ بدء عملياتنا عبر الحدود في سوريا عام 2016، عاد نحو 526 ألف لاجئ سوري طوعاً الى المناطق الآمنة، التي أقمناها في شمالي البلاد”، حسب ما نقلت وكالة الأناضول.
وفي 9/5/2023 قال أردوغان إنّ قرابة 500 ألف سوري عادوا إلى المناطق، التي جعلتها تركيا آمنة بمحاذاة حدودها. ونوّه باستقبال تركيا نحو أربعة ملايين سوري إثر بدء الاضطرابات الداخلية في بلادهم.
في 17/5/202 قال وزير الداخلية التركيّ سليمان صويلو: إنَّ الحكومة التركيّة لن تجعل من تركيا “مستودعاً للاجئين، لكن السوريين إخواننا، ولا يمكننا إرسالهم إلى الموت، مع وجود فرصة لإرسالهم إلى المناطق الآمنة، حيث سيتم بناء 240 ألف منزل في المنطقة ستستقبل مليون شقيق سوريّ”. وذكر صويلو أنّ 553 ألفاً و335 من إخواننا السوريين، عادوا طوعيّاً إلى المناطق الآمنة حتى الآن”، وأن “آفاد” وضعت خططاً لإعادة المزيد، بدون أيّ تكاليف من خزينة الدولة وبالتعاون مع المانحين الدوليين. وحول مطالب المعارضة بترحيل اللاجئين السوريين، أكّد صويلو أنَّ معظم السوريين الذين لجؤوا إلى تركيا هم من حلب، مشيراً إلى أنَّ “حلب هي ضمن حدود ميثاقنا الوطنيّ، أي إن هؤلاء هم شعبنا”.
في مقابلة مع شبكة TRT في 22/5/2023، قال الرئيس التركيّ أردوغان: إن بلاده تدعم منذ البداية العودة الطوعيّة والآمنة للاجئين السوريين. وتَطرَّق إلى جهود بلاده من أجل تهيئة الأرضية لعودة اللاجئين. وأضاف: “منذ البداية ندعم العودة الطوعيّة والآمنة للاجئين، وقد عاد نحو 560 ألف لاجئ إلى المناطق المطَّهرة من الإرهاب (شمال سوريا)”.
في 22/5/2023 وقال أردوغان، في مقابلة مع قناة “هابر تورك”: “في المستقبل القريب، سيتم التخطيط لخارطة طريق لعودة اللاجئين، وسيتم تحليل مدى سرعة ضمان عودتهم”. وأشار إلى عودة 450 ألف لاجئ سوري إلى وطنهم، في شمال سوريا.
وفي 26/5/2023 صرّح وزير الخارجية التركيّ السابق مولود جاويش أوغلو: بأن أنقرة تسعى لإعادة اللاجئين السوريين في بلاده بشكل آمن إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، وليس فقط إلى ما وصفها بالمناطق الآمنة شمال البلاد. ولفت جاويش أوغلو في مقابلة تلفزيونيّة إلى عودة نحو 553 ألف سوريّ إلى المناطق التي احتلها الجيش التركيّ شمال سوريا. وأضاف “نريد إعادة السوريين إلى الأماكن التي يسيطر عليها النظام أيضا وليس فقط المناطق الآمنة”. وأشار الوزير التركيّ إلى تناول الموضوع مع حكومة دمشق في إطار المسار الرباعيّ، الذي يضم روسيا، وإيران أيضاً.
في 26/7/2023 قال أردوغان في مراسم تخريج دفعة من عناصر الأمن بالعاصمة أنقرة: “رأينا هذا الأمر في شمال سوريا، فقد عاد نحو 600 ألف سوري للأماكن، التي حولناها إلى مناطق آمنة بعد تطهيرها من الإرهاب، وبفضل مشروع بناء منازل الطوب الذي نسيره بقيادة منظماتنا المدنية، وفرنا مساكن لـ90 ألف أسرة”.
وفي 28/7/7/2023 قال “علي يرلي قايا”: “نتيجة الخدمات التي وفرناها للشمال السوري، عاد أكثر من 500 ألف سوريّ إلى بلادهم بشكل طوعيّ وآمن”، ولفت إلى أن “عدد سكان مدينة جرابلس بشمال سوريا بلغ مئات الآلاف بسبب العودة الطوعيّة الناجمة عن الخدمات، التي نقدّمها هناك”. وأشار إلى أنه يوجد حاليا في تركيا ثلاثة ملايين و325 ألفا، و14 سورياً ممن يخضعون لقانون الحماية المؤقتة.
المنطقة الآمنة والميثاق الملي
وتروّج أنقرة لعنوان “المنطقة الآمنة” على أن تُسكِّنَ فيها سوريين موالين لها ليسوا من أبناء تلك المناطق، وهم اللاجئون الذين قضوا أكثر من عقدٍ من الزمن على أراضيها، يُضاف إليهم المستوطنون، الذين جيء بهم من مختلف أنحاء سوريا إلى تلك المناطق. وفي هذا السياق أعلن الرئيس التركيّ في 4/5/2022 خطة إعادة مليون لاجئ سوري إلى ما سمّاها “المنطقةِ الآمنة”، وهي بالحقيقةِ جزءٌ من خارطة “الميثاق الملي”، أي تثبيت واقع الاحتلال بالتوطين.
في 11/1/2018 وقبل العدوان التركيّ على عفرين قال أردوغان في اجتماع في المجمع الرئاسيّ: إنّ “شمال سوريا كانت ضمن حدود الميثاق الملّي، ولن نسمح بقيامة كيان إرهابيّ هناك”. وفي 24/1/2018 قال: “لا تنسَوا حساسيتنا تجاه حدود الميثاق الملّي. حدود الميثاق هي حيث يوجد الآن الإرهاب في شمال سوريا وشمال العراق”.
في 7/1/2019، تحدث وزير الداخليّةِ التركيّ سليمان صويلو في مقابلة تلفزيونيّة مع قناة “خبر تورك” عن منطقة الميثاقِ الملّي في معرضِ حديثه عن اللاجئين السوريين في تركيا وعن الأزمةِ السوريّة، فقال: “إنّ 62% من اللاجئين السوريين في تركيا جاؤوا من أراضي حدود الميثاق المليّ. وفي معركة “جناق قلعه” سقط 1102 شهيد من سوريا. ومنذ عام 2011 قدّمت تلك الأراضي من أجل بلادهم 71 ألفاً و923 شهيداً، ولا يمكن بعد هذا أن نقول: ما الذي يفعلونه هنا”.
وفي تصريح مثير للجدل قال وزير الداخلية التركيّ، سليمان صويلو، في 21/7/2021 مبرراً الهجمات العسكريّة الاحتلالية: “إنّ “الأيام التي نذهب فيها إلى العراق وسوريا سيراً على الأقدام من هنا ليست بعيدة، فهي قريبة بإذن الله”.
وفي مقابلة على شاشة TGRT التركيّة، في 5/5/2022، وفي معرض الحديث عن اللاجئين السوريين والمطالبات بإعادتهم إلى سوريا، وقال سليمان صويلو: “يقولون أعيدوهم إلى سوريا، لنعيدهم إلى حلب، ونرى ما سيحدث بهم”.
