سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

مازن جردو خلف.. قصة معاناة طفل وتحرره من براثن داعش الإرهابي

الحسكة/ آية محمد ـ

دفع الأطفال الضريبة الكبرى في الصراع الدائر منذ أعوام عدة في منطقة الشرق الأوسط، وفي العراق وسوريا على وجه الخصوص، حيث مُورِست بحقهم أبشع أنواع الانتهاكات والظلم، ما أدى لحرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة.
 ومع اجتياح مرتزقة داعش شنكال غرب الموصل عام 2014، اختطفت عدداً كبيراً من الأطفال الكرد الإيزيديين على يد مرتزقة داعش الإرهابي، فزجّ معظمهم في معسكرات دُعيت بـ “أشبال الخلافة”، لتدريبهم على ممارسة السلاح، وممارسة العنف والقتل، والعمليات الانتحارية وغيرها من أعمال العنف والتخريب.
انتهاكات مرتزقة داعش الإرهابي في شنكال 
لم يتجاوز عمر مازن جردو خلف، سبعة أعوام، عند اقتحام مرتزقة داعش منطقة شنكال في العراق عام 2014، حيث استشهد آلاف الإيزيديين آنذاك، وتعرض آخرون للأسر، ناهيك عن سبي النساء، واستعبادهن. وفي الصدد، تحدث لصحيفتنا “روناهي”، الطفل الإيزيدي ذو سبعة أعوام “مازن جردو خلف”، والذي أصبح شاباً يبلغ الثامنة عشرة، من سكان قرية “الوردية” الواقعة بين “شنكال وتل عزير”، عن تجربته المريرة في قبضة مرتزقة داعش: “في الثالث من آب عام 2014 شنت مرتزقة داعش هجومها الإرهابي ضد الإيزيديين في منطقة شنكال، حيث اختطفتني المرتزقة مع عائلتي كاملةً عدا شقيقي “إبراهيم”، والذي لم يكن متواجداً معنا في المنزل حينها، إذ كان لديه عمل خارج القرية، كما اختطفت أقاربي وأهالي القرية جميعاً”.
وذكر مازن خلف أسماء أفراد عائلته الذين اختطفوا من مرتزقة داعش آنذاك، والمؤلفة من تسعة أشخاص “الأب: جردو خلف، الأم: باران حسين، الأخوة: شهاب، وسعيد، وعلي، وهادي، وداوود، وآزاد، والأخت الوحيدة: كني جردو خلف”.
فرز العائلات وفصلهم عن بعض
 وأكمل: “في البداية اقتادتنا مرتزقة داعش لمنطقة “تلعفر”، حيث بقينا هناك لغاية عام 2015، ومن ثم نقلونا لمنطقة تسمى “حي الخضراء”، ليتم بعدها فصل العوائل عن بعضها، فأخذوا الرجال لوجهة غير معروفة، والنساء لوجهة أخرى، وكذلك الأطفال”، مشيراً، إلى أنهم مروا بعدة قرى، ولكن بسبب صغر سنه حينها لا يستطيع تذكر تفاصل الأماكن والقرى التي نقلوا إليها.
وقامت مرتزقة داعش بفصل الأطفال عن أمهاتهم، وضمهم لمعسكر خاص بتدريب الأطفال على استخدام مختلف صنوف الأسلحة، وغسل أدمغتهم بالفكر الإرهابي، وإخضاعهم لتعاليم دينية متشددة، كما حرصت المرتزقة على شحنهم إيديولوجياً لتعزيز صفوفها.
وعن فرز العائلات والأطفال حسب العمر والجنس، أكد مازن خلف: “أرغم مرتزقة داعش مئات الأطفال الإيزيديين (الذكور)، ممن تجاوزوا سن العاشرة، على خوض تدريبات القتال، أما الأطفال الذين لم تتجاوز أعمارهم العاشرة بعد، فقد تم توزيعهم كغلمان وعبيد لخدمة المرتزقة، أما الرجال فمصيرهم كان مجهولاً، في حين النساء والفتيات أصبحن سبايا”.
وتابع: “وبعد فصلي عن أمي، قدمتني المرتزقة لرجال من جنسيات سعودية، وكانت أسماؤهم (أبو الطيب، ومحمود، وسلمان)”، مشيراً، إلى أن سلمان كان أعمى، بسبب تعرضه لانفجار لغم، منوهاً، إلى أن عددهم كان أكثر من ذلك، ولكنه لا يستطيع تذكر كل شيء.
وزاد: “وقد جعلتني المرتزقة خادماً لهم، حيث بقيت أعمل على خدمتهم طيلة فترة أسري وانتقالي من الموصل إلى الباغوز، أما عن نسائهم، فقد أكد، أنه لم يكن يعلم عنهنَّ شيئا، حيث لم يسمح لهم برؤيتهن.
النجاة من داعش 
وفي التاسع من شباط، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن بدء حملة لتحرير المنطقة من مرتزقة داعش، والتي تمكنت بدعم من أبناء المنطقة والعشائر وبدعم من التحالف الدولي من هزيمة مرتزقة داعش في آخر معاقلها في سوريا (الباغوز)، بعد حملة تحرير استمرت لأكثر من شهر، وذلك في 23 أذار عام 2019.
وبقي الطفل الإيزيدي، مازن خلف، أسيراً لدى مرتزقة داعش حتى عام 2019، حيث تمكن بعد اشتداد المعارك في بلدة الباغوز وبواسطة قوات سوريا الديمقراطية من الوصول لدار حماية الطفل في الحسكة.
وحول تفاصيل النجاة من المرتزقة: “اشتدت المعارك في الباغوز وتعرضنا للحصار من قوات سوريا الديمقراطية، فيما تمكنت أنا وستة عشر شخصاً آخرين كانوا تابعين لمرتزقة داعش من الهروب، وأثناء هروبنا تعرضنا لقصف طيران التحالف، حيث قتل المرتزقة الذين كانوا معي، وكنت أنا الناجي الوحيد بينهم، وأشار، إلى أنه تعرض لإصابات بليغة في جسده، فيما عثروا عليه في اليوم التالي، أعضاء من قوات سوريا الديمقراطية، حيث أخذوه إلى دار حماية الطفل في الحسكة.
وتابع: “وبقيت أربع سنوات في دار حماية الطفل بالحسكة، فاقد الأمل من عودتي إلى قريتي أو رؤية أحد من أفراد أسرتي، وكنت لا أعلم هل بقي شيء من قريتي أم أنها انتهت للأبد.
وبيّن بأنه حين التقى البيت الإيزيدي في الحسكة عاد له الأمل من جديد، وأخبرهم بأنه من الشعب الإيزيدي وأعطاهم أسماء عائلته وأخبرهم بأنه الناجي الوحيد من عائلته هو وأخاه إبراهيم: “وحين أخبرت البيت الإيزيدي عن عائلتي وقريتي، فوجئت بأنهم يعرفون أخي إبراهيم سابقاً، ولديهم رقم التواصل معه، حيث علمت منهم بأن شقيقيَّ “داوود وآزاد” حُررا أيضاً من مرتزقة داعش، حيث تواصلا حينها مع شقيقي إبراهيم ليتم عودتهما إلى شنكال فيما بعد.
محنة الأطفال الإيزيديين
وقال أنه في 25/9/2022، وصل قريته الوردية وكان بين أخوته الثلاثة، مشيراً إلى أنهم يقطنون منزلاً جديداً غير منزلهم الذي تدمر بسبب الحرب.
 ليبدأ بعدها مازن الخلف بالعلاج، كما ذكرنا سابقاً أنه تعرض للقصف بالطيران في الباغوز، ما أدى لانتشار الشظايا في جسده، حيث أوضح: “بعد عودتي لأخوتي، قام شقيقي إبراهيم باصطحابي إلى المشفى، لاستخراج الشظايا العالقة في جسدي، حيث أجريت ثلاث عمليات، ولا يزال وضعي الصحي سيئا، فبقيت شظيتان في الظهر، وأكثر من خمس شظايا في كل قدم، إذ أكد الأطباء أنه متبقي 13 شظية في جسدي”.
وعند السؤال عن تكاليف العملية ومن الذي قام بتسديدها؟ أجاب بأن شقيقه إبراهيم هو من دفع التكاليف، وبلغت تكاليف المشفى ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف دينار عراقي، بتاريخ 15/11/2022، حسب التقرير الطبي لمستشفى “جيان”.
وعند سؤاله لماذا لم تُجرَ العمليات في الحسكة رغم بقائه أربع سنوات فيها والشظايا في جسده؟ لم يكن لديه أي إجابة.
وفي الختام قال الشاب الإيزيدي “مازن جردو خلف”: “إن حالي كحال بقية الشعب الإيزيدي، أطالب الجهات المعنية بمساعدتي لإيجاد عائلتي، فأمنيتي الوحيدة أن اجتمع بعائلتي التي افترقت عنها منذ عقد تقريباً”.
يذكر، أن التجارب التي يرويها الناجون تميط اللثام عن الأفعال الوحشية واللاإنسانية، التي ارتكبت على نطاق أوسع مما يتخيله العقل، وتشكل تعدياً خطيراً ومتعمداً على أهم حقوق الإنسان الأساسية، وإهانة للإنسانية بأكملها.
فقد تغير حال الناجين بشكل لا يمكن إصلاحه بفعل أهوال لا يمكن تصورها في الواقع، عمليات الإعدام الجماعية والتحويلات القسرية والاختطاف والاستعباد والعنف الجنسي والمنهجي والأفعال الشائنة الأخرى تعكس جهود الإبادة الجماعية لتدمير المجتمع الإيزيدي.