مأكولات شعبية باتت رمزاً للمنطقة لا تزال حاضرة حتى اليوم

الشدادي/ حسام دخيل ـ

تعد مدن شمال وشرق سوريا “الحسكة والرقة ودير الزور” مدناً ذات طابع عشائري، حيث لا يوجد هناك فرق كبير بين سكان الريف والمدن من حيث العادات والتقاليد والمأكل والمشرب، على عكس بعض المدن السورية الأخرى، ورغم تطور أمور المجتمع إلا أن الأكلات التراثية تركت بصمة لأهالي الجزيرة.

وتمتاز هذه المدن ببعض الأكلات التي تميزها عن البقية، ولا تزال موجودة حتى هذا اليوم، ويتفاخر أهالي هذه المناطق بتقديمها للضيوف والزائرين على الرغم من انتشار المطاعم ودخول أصناف جديدة من الأكلات، وخاصة بعد الأزمة السورية نتيجة اختلاط الثقافات المشكلة للنسيج السوري، سواء كان أثناء فترات النزوح بين المحافظات السورية أو الهجرة خارج البلد.

وتعد أشهر أكلة عُرفت بها المنطقة هي أكلة الثريد، والتي تتكون من لحم الضأن المطبوخ بالمرق، ويقدم عبر آواني خاصة تسمى “الصينية” في اللهجة المحلية، ويختلف حجمها بحسب المناسبة التي تقدم بها. ومنسف الثريد يكون بوضع خبز الصاج في الصينية أو المنسف، ويضاف إليها المرق واللحم، ويؤكل الثريد باليد ولا تستخدم أية أدوات أخرى كالملعقة والشوكة وغيرها. ويقدم منسف الثريد في مختلف المناسبات الاجتماعية، وفي الأعراس، وتعتبر وجبة رئيسية تقدم للضيوف.

وقال التسعيني محمد الإبراهيم خلال حديثه لصحيفتنا “روناهي”: “تعتبر الثريد من أشهر المأكولات التي تتميز بها مناطق شمال وشرق سوريا بشكلٍ عام، وتميزها عن باقي المدن السورية، وهي تعتبر تقليداً رئيسياً لأهل المنطقة”. ونوه إلى أن لأكلة الثريد تقاليد خاصة ولا يجوز تجاوزها، حيث توضع الصينية أو المنسف دائرية الشكل في المنتصف ويتقابل عليها أكثر من شخص، وتُؤكل باليد حصراً، ويوضع في المنسف الواحد الرأس والإلية والطرف إضافة إلى بقية لحم الذبيحة.ويجلس صاحب البيت مع الضيوف على منسف واحد، ويجب أن يأكل عدداً من اللقيمات من مختلف أجزاء منسف الثريد ليطمأن الضيوف من جودة ونظافة الأكل. وتابع الإبراهيم: “هناك جلسة خاصة للجلوس على المنسف، حيث لا يجوز أن تؤكل على الطاولات بل تكون الجلسة على الأرض، ولا يجوز أن يجلس على المنسف متربعاً او متكئاً، بل يجلس الشخص على إليته ويثني إحدى ساقيه ويضم ساقة الأخرى. وأيضاً يجب ألا يقوم صاحب المنزل عن الطعام قبل الضيوف، لكيلا يشعرهم بالخجل، بل يجب أن يبقى آخرهم أكلاً”.

الوضع الاقتصادي يؤثر

وأضاف محمد الإبراهيم: “الثريد يعتبر من أكثر الطعام بركة، وقد ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث عن أنس والذي جاء فيه: (ثم فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)، في إشارة منه لما يحمله الثريد من فوائد وبركة. وأردف الإبراهيم إلى وجود أنواع من المناسف التي تقدم على سفرة البيت الجزراوي، كمنسف اللحم والرز والذي يقدم بنفس الطريقة، ولكن تفرش أرضية المنسف بالرز ويضاف فوقها اللحم ويزين بالمكسرات كالصنوبر والجوز والكاجو، إضافة إلى ثريد الباميا مع لحم الضأن، والتي عرفتها المنطقة الشرقية لسوريا من مدينة دير الزور.

ولفت الإبراهيم إلى أن كل هذه الأنواع والأصناف لا تزال موجودة حتى اليوم، وتقدم بنفس الطريقة المتوارثة، سواء في المناطق الريفية أو حتى في المدن. ونوه إلى أن الظروف الاقتصادية التي تمر على البلاد هذه الأيام أجبرت الأهالي على الاستعاضة بلحم الفروج عوضاً عن لحم الضأن الذي بات غالي الثمن.

أما أكلة الخميعة المعروفة عند العرب في مناطق إقليم الجزيرة، وخصوصاً مربي المواشي، تكاد تختفي وتنقرض في المنطقة، وباتت بالكاد تحضر لكبار السن بحسب نزهة العبد الله ٦٥ عاماً. وأضافت: “تصنع الخميعة من خبز الصاج المقطع، ويضاف إليه السمن العربي والحليب المغلي والسكر، وتقدم الخميعة وجبة أساسية على الفطور، وفي شهر رمضان تقدم على السحور، وهي تعتبر وجبة غنية ودسمة جداً”.

ولفتت إلى أن الخميعة كانت الوجبة الصباحية المفضلة لسكان الجزيرة الفراتية في الأزمنة الغابرة، وكاد لا يخلو فطور من الخميعة في صباحات الأهالي.

وأشارت نزهة العبد الله إلى أن في هذا الزمن ومع استغناء الكثير من سكان إقليم الجزيرة عن المواشي، واتجاههم نحو التحضر غابت وجبة الخميعة اليوم، وإذا ما أردت صنعها في المنزل فإن تكلفتها مرتفعة جداً، فالكيلو الواحد من السمن العربي يتعدى الـ٣٥ ألف ليرة سورية، ولتر الحليب بـ١٠٠٠ ليرة وكيلو السكر بـ ١٨٠٠والظروف الاقتصادية صعبة على الأهالي ولم يعد بإمكانهم إعدادها.