سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لِنعد للقراءة والمطالعة

هيفيدار خالد_

في وقتٍ من الأوقات كانت القراءة والمطالعة من الأشياء المفضّلة عند المجتمعات أغلبها، والّتي حرص عليها الإنسان وتوارثها جيلاً بعد جيل، فما إن كنت تدخل منزلاً أو تزور مكانَ عملٍ أو بيتًا لأحد الأقارب أو الأصدقاء حتى تجد أمامك مكتبة حاملة على رفوفها مجموعة ضخمة من الكتب والروايات من مختلف الثقافات والأديان.
 فكثيرًا ما شاهدنا أفراداً في مجتمعنا، كانوا مدمنين على القراءة والكتابة والمطالعة، وكأنّها جزءٌ لا يتجزّأ من حياتهم. ترى أنّهم يخصّصون من وقتهم على الأقل ساعة في اليوم للمطالعة والتصفّح بين أروقة الصحف اليومية، بهدف البحث عمّا هو جديد من الأخبار والمستجدّات والتطورات العلمية التي يشهدها العالم بشكلٍ يوميٍّ وبسرعةٍ فائقةٍ لا مثيل لها.
لم تكن القراءة يوماً من الأيّام أمراً عادياً أو عملاً ثانويًّا بالنسبة للنخبة المثقّفة في مجتمعنا، حيث أنها لعبت دور الشاهد في بعض مفاصل التاريخ وخاصة في تاريخ منطقتنا “الشرق الأوسط. فكانت في بعض الأوقات ومع بعض الأمور التثقيفية الأخرى، إحدى أقوى الأدوات والوسائل التعبيرية للفرد، فكثيرون ممن كانوا منهمكين بالقراءة والبحث، استطاعوا في الكثير من الأوقات أن يصنعوا فارقاً كبيراً في حياتهم وحياة الآخرين أيضاً. فهي المعين الوثيق للمرء في تطوير ثقافته وتوسيع آفاقه. وتحويله إلى طاقة يستطيع من خلالها البحث عن كلّ ما هو جديد في العالم.
مع الأسف الشديد، فاليوم تراجع حبّ القراءة بين الأفراد، وحتّى أنّنا نستطيع القول: إنّه من الصعب جدّاً، أن تلتقي بشخص يتحدّث لك عن آخر الكتب والروايات التي قرأها، وإذا أردت التحدث عن كتاب أو رواية قرأتها مؤخّراً،وتشاء مشاركتها مع الأصدقاء ممّن حولك، ربّما لا ترى أحدا يستمع لك، أو أن حتى له فضول لمعرفة مضمون أو جوهر هذا الكتاب أو تلك الرواية، لتكون النقاشات عن المطالعة والتثقيف وبشكل خاص بين فئة الشباب معدومة نوعا ما.
 نحن اليوم أمام أزمة ثقة حقيقية يعيشها المجتمع، هذا ليس كلّ شيء، يعني نحن أمام جيل من الجهلاء الذين لا يعلمون أدنى شيءٍ عن تاريخهم أو تاريخ المنطقة التي يعيشون فيها، جيل دون فكر أو تفكير دون إيديولوجيّة، كيف سيستطيع مواجهة الواقع الذي يعيشه اليوم؟ وما مصيره؟ إذ ما استمرّت هذه الظاهرة المنتشرة وبكثرة في مجتمعاتنا، الإجابة برسم الأيام القادمة.
لا يمكن لهذا الجيل أن يبني مستقبله ما دام على حالته هذه، دون مطالعة، أو قراءة أو تفكير، سيواجه الكثير من التخبّط والمغالطات في حياته، ليكون أسير مستقبل مجهول يقوده أنّى شاء وكيفما شاء.
وصدق بقوله الكاتب الأمريكي فريدريك دوغلاس عندما قال: “بمجرد أن تتعلّم القراءة ستكون حرّاً للأبد”، ومالك بن نبيّ: عندما قال: “الأمّة التي لا تقرأ، تموت قبل أوانها”. وذات يوم عندما سُئِلَ الفيلسوف اليوناني أرسطو، كيف تحكم على إنسان ما ؟، فأجاب: “أسأله كم كتاباً قد قرأ؟ وماذا يقرأ؟. إذاً فالقراءة هي أسمى ما في الكون للإنسان، وفي الابتعاد عنها إضرارٌ للمجتمع وللفرد معاً.