سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لغتي هويتي وحلمي الخفي الذي تحقق

جل آغا/ أمل محمد –

لم تتخيل “حمدية سيف الدين” من قرية كركي خلو التابعة لناحية جل آغا، بأن حلمها بتدريس اللغة الكردية جهراً سيتحقق يوماً ما، كانت فتاة يافعة لم تتخطَ السابعة عشرة من عمرها، ولكن حلمها وشغفها باللغة الكردية تجاوز الحدود، حمدية اليوم في عقدها الرابع من العمر، وتعمل مدرسة للغة الكردية بعد رحلة عناء وإصرار.
كانت اللغة الكردية في مرحلة سابقة تتعرض لأنواع التهميش، والمحاربة حالها حال القضية الكردية، ولكن بالرغم من المحاولات، التي عملت للقضاء على هذه اللغة، وُجد أشخاص ذوو شغف، وعشق لهذه اللغة، يحاربون لإحيائها من جديد، هؤلاء الأشخاص هم من واجهوا ظروفاً صعبة فقط من أجل لغتهم، ومن هؤلاء الشخصيات حمدية سيف الدين، التي تحولت من فتاة أمية، إن صحَّ التعبير، لا تميز بين الحروف، حتى بعمر السابعة عشرة إلى مدرّسة للغة الكردية، وعن هذا التقت صحيفتنا “روناهي ” بحمدية: “كنت أعيش في منزل الجميع فيه يعرف القراءة والكتابة إلاي، وهذا ما سبب  غصة في كل مرة أشاهد كتاباً أو أحدهم يقوم بالقراءة، وطلبت من أخي أن يعلمني الكتابة، والقراءة، كنت فقط في ذلك الوقت أميز الحروف العربية، وأقرؤها بصعوبة تامة، بدأت أولاً باللغة الكردية، فتعلمتها بسرعة، وقد ساعدتني الكتب، والروايات الكردية في تنميتي للغة أكثر”.
الحذر والهدف واحد
في بداية التسعينات من القرن الماضي، وبعد أن تمكنت حمدية من تعلم القراء والكتابة باللغتين الكردية والعربية، بدأت تحقق حلمها الأكبر في تدريس اللغة الكردية للراغبين: “كنت فتاة حالمة، وبعد أن أطلعت بشكل أوسع على الثقافة الكردية، أردت أن يعرف الجميع مدى جمال لغتنا، كنت أقوم بفتح دورات سراً لمجموعتين إحداهما للأطفال، وأخرى للفتيات، كان الإقبال جيداً، ولكن يسوده الحذر والخوف، لأننا في تلك الحقبة كنا نواجه ضغطاً من حكومة دمشق”.
وأضافت حمدية: “مع بداية ثورة روج آفا، وبدأ افتتاح دورات للغة الكردية، التحقت بإحدى هذه الدورات لرفع مستوى تعليمي، وحصلت على الشهادة وكان شعوراً في غاية الروعة، ومن ثم وبعد محاولات عديدة استطعنا تدريس اللغة الكردية في المدراس، ولكن بشكل خجول، بين رفض الكثيرين لنا، وانسحاب الكثيرين من مدرسي اللغة الكردية؛ لعدم الثقة بلغتنا، ولكن بالرغم من ذلك تحديت الظروف، واستطعنا أن نجعل للغتنا مكاناً في المدراس، وقبولاً لدى الأهالي”.
 ولتعزيز اللغة الكردية في نفوس الأهالي والطلبة: “أردت ان تكون اللغة موجودة في كل بيت، ولأن الأمهات هن أساس الأسر، فقد أعطيت دروس تقوية في اللغة للأمهات”.
هذا وزادت حمدية: “لغتنا اليوم تدرس في المدارس والمعاهد، والجامعات بأقسام عديدة، لم يأتِ هذا بسهولة بل جاء بعد عناء وتعب، ولكن أن تصل لحلمك ولهدفك هو الأهم، بدأنا بأعداد قليلة من المدرسين، وبمدرسة واحدة في كل منطقة، حتى وصلنا إلى الآلاف من المعلمين، وإلى عدد كبير من المدارس، التي تدرس اللغة الكردية، وهذا إنجاز ترفع له القبعة”.
حلم الماضي يتحقق في الحاضر
وعن حلمها الذي بدأ قبيل سنوات، والذي تحقق اليوم قالت حمدية: “كان حلماً يجول بيني وبين مخيلتي وأسئلة كثيرة يحتويها الغموض، ومستقبل مجهول، اليوم أنا أحقق حلمي وحلم الكثيرين مثلي، من آمنوا بلغتهم وعملوا على إعادتها للواجهة، عملنا لن يتوقف هنا وعلينا مواصلة المسير، حتى تعترف بلغتنا دول العالم كافة، إلى جانب اللغة العربية وغيرها من اللغات العالمية”.
وفي نهاية حديثها قالت حمدية سيف الدين: “لغتنا هويتنا فهي اللغة التي ضحى آلاف الشهداء بأرواحهم في سبيلها، سنستمر في المحافظة عليها، ولن يوقفنا لا خوف، ولا عمر، ولا أي مؤامرة، فقط الإرادة والإيمان سيدفعاننا للمضي قدما للأمام”.