سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

لخلق بيئة مستدامة… قامشلو تشهد انتشارًا ملحوظًا للمشاتل الزراعية

انتشار ملفت للمشاتل الزراعية الخاصة والعامة في إقليم الجزيرة، يساهم في تغيير البيئة وجمالية المنطقة على المدى البعيد، ويُظهر تحدي واضح لسياسات التصحر المتبعة في العقود الماضية بالجزيرة السوريّة، لذا باتت هذه المشاتل مصدراً رئيسياً اليوم للحياة الخضراء.
منذ ما يقارب الـ 40 عامًا، يعمل نهيت محمد حسو في بيع الأشجار والورود بمختلف أصنافها وأنواعها، في البداية امتهن بيعها ولاحقًا أبى التخلي عنها، لتصبح العناية بالأشجار جزءًا لا يتجزأ من روتين حياته اليومي. تُقدر مساحة مشتله الخاص بـ 2500 متر (دونمين ونصف الدونم)، حيث يمكن رؤية أنواع عديدة ومختلفة من الأشجار والشجيرات، إلى جانب أصناف مختلفة من الورود والأزهار ضمن المشتل.
هذه الخطوة من شأنها زيادة المساحات الخضراء والتقليل من نسب التلوث في المدينة التي باتت تشهد ازديادًا كبيرًا في أعداد المشاتل الزراعية، وسط تأكيداتٍ من مالكي المشاتل على أنها لاقت إقبالًا كبيرًا من قِبل الأهالي. ويقع مشتل “حسو” شمال مدينة قامشلو، وفي هذا الخصوص يقول نهيت محمد حسو إنه وبعد قرابة 40 عامًا من العناية بالأشجار لم يعد بإمكانه ترك هذه المهنة، لما لها من أهمية في حياته اليومية.
السياسة والتمدد الصحراوي
ويلاحظ الانتشار الكبير للمشاتل الزراعية في مدينة قامشلو والتي من شأنها إعادة الحياة إلى المدينة بعد عقود من التصحر، نتيجة سياسات التهميش التي كانت تُطبق على المنطقة من قبل حكومة دمشق.
فقد كانت المنطقة محصورة بزراعة المحاصيل الأحادية كالقمح والشعير، إلى جانب تهميش القطاع الصناعي. إذ كانت حكومة دمشق تتعمد سلب نتاج وموارد مناطق شمال وشرق سوريا المعروفة بغناها بالثروات الباطنية والتربة الخصبة، واستثمارها في المحافظات الأخرى وإعادة ضخها إلى أسواق المنطقة بأسعار مرتفعة، وذلك بهدف تحقيق الربح الأعظمي وإقصاء المنطقة عن عملية تنمية الاقتصاد، وإبقائها منطقة نائية.
القيام بالنهضة الزراعية
تعد المشاتل أهم أسباب نجاح النهضة الزراعية والجمالية وتقدمها، لأنها تعتمد على تطبيق الأساليب العلمية المتطورة المختلفة واستخدام البيوت المحمية (البلاستيكية) بأنواعها المختلفة في مجال إكثار شتلات وأغراس الفاكهة والخضروات والزينة وإنتاجها، بالإضافة إلى الشتل الحراجية.
وعلى الرغم من كبر سنه إلا أنه يداوم على تفقد شتلاته، ويقول حسو: “سأمرض.. إن لم أتفقدها كل يوم”، ويضيف “نجلب كافة أنواع الأشجار المثمرة كالمشمش والعنب والخوخ والتفاح، والزينة كالسرو والصنوبر والأروكاريا، بالإضافة إلى أنواع مختلفة من الأزهار كالفل والياسمين والعسلية وغيرها”.
وعن إقبال المواطنين على شراء الأشجار، يؤكد حسو أنه في السنوات الأخيرة شهد المشتل إقبالًا ملحوظًا على شراء الأشجار، وذلك لما لها من فائدة بيئية وأخرى جمالية.
وللأشجار أهمية كبيرة للبيئة حيث إن قلة عددها في أية منطقة يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي، كذلك فهي تقلل من نسبة التلوث، حيث تعمل النباتات على زيادة الأوكسجين، بالإضافة إلى تلطيف الجو عن طريق عملية النتح وتحسين المناخ.
ويشير حسو إلى أن الأشجار المثمرة يتم استيرادها من حماة وفي السابق كان يتم شحنها من مدينة عفرين المحتلة، أما أزهار الزينة فتتم عملية زراعتها في البيوت البلاستيكية.
وعن كيفية الاهتمام بها، يبيّن حسو أن بعض الأشجار الخاصة بالزينة تحتاج إلى ظروف معينة لتعيش، كعدم تعرضها لأشعة الشمس.
ويعزو حسو قلة المساحات الخضراء في المدينة إلى اعتماد الأهالي بنسبة كبيرة على زراعة المحاصيل الزراعية الأحادية والتي تعود عليهم بالفائدة، دون الأخذ بعين الاعتبار التمدد الصحراوي وتأثيره على المناخ.
مشاتل لإنتاج أنواع مختلفة من الزهور
بدوره، أكد المشرف على مشتل “الشهيدة بارين” الواقع على الحزام الجنوبي في مدينة قامشلو، زنار أحمد، أن المشتل يهدف بشكل رئيس إلى نشر ثقافة زراعة الأشجار بين الأهالي، كذلك إعادة مظاهر الحياة من خلال زيادة المساحات الخضراء.
وخصص لمشتل الشهيدة بارين مساحة من الأرض الزراعية المحمية لإجراء عملية التكاثر والرعاية وإنتاج العديد من شتل النباتات، كما يتم زراعة البذور لإنتاج أنواع مختلفة من نباتات الزينة والأزهار.
ويشير أحمد إلى أن بعض الأشجار يتم استيرادها مؤقتًا من الخارج، كشجرة الباولونيا، وهي من أسرع الأشجار نموًا، حيث تتم زراعتها بغرض الحصول على الأخشاب الصلبة، كذلك تستخدم أزهارها كمناحل لإنتاج العسل. إلى هذا، يقول أحمد إنهم يسعون إلى تقليل نسب استيراد الأشجار المثمرة والحراجية من الخارج، في خطوة تسهم في الاعتماد على الإنتاج المحلي.
ويضيف “في السابق كنا نعتمد على استيراد البذار وأنواع أخرى من الأشجار من حماة ودمشق، وكذلك من باشور وباكور كردستان، بالإضافة إلى استيرادها من الدول الأوروبية أيضًا”.
أشجار متشبثة بالأرض
إلى ذلك، يؤكد أحمد أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار الظروف المناخية الملائمة لزراعة أصناف مختلفة من الأشجار، فبعض الزهور كالحولية، وهي الزهور التي تنمو وتُزهر في فترة محددة ثم تموت، وتبلغ دورة حياتها أقل من سنة، لا تلاقي إقبالًا كبيرًا، ويقول: “بعض الأهالي يتوجهون لشراء الأشجار المتشبثة بالأرض”. أما الزهور المُعمرة، فهي الزهور التي تبقى عدة سنين وتنمو أزهارها وتتجدد وهي نوعان: إما صيفية أو شتوية وهذا التقسيم يأتي تبعًا للوقت الذي تظهر فيه أزهارها.
ويشير أحمد إلى أنهم يخططون للعمل على مشروع زراعة الأشجار على طول مجرى نهر جقجق، وذلك بهدف القضاء على الروائح الكريهة التي تفوح منه، نتيجة توجيه السلطات التركية مجاري الصرف الصحي إلى مجرى النهر قبل دخوله إلى مدينة قامشلو، ورمي الأهالي القمامة في حرم النهر.
ويبلغ طول نهر جقجق من منبعه من هضبة طور عابدين في باكور كردستان إلى مصبه في نهر الخابور الذي يصب في نهر الفرات حوالي (126) كم.
ومؤخرًا أطلقت العديد من مبادرات التشجير من قبل الأهالي، وذلك للحد من التمدد الصحراوي الذي يهدد مناطق شمال وشرق سوريا، وللمساهمة في خلق بيئة آمنة وصحية ونظيفة ومستدامة.
وكالة هاوار