أردوغان… حليف إسرائيل السري

 فايق عمر (إعلامي وكاتب)-

مع بداية وصوله إلى سدّة الحكم حافظ أردوغان على علاقات حميمة مع إسرائيل، ودفع باتجاه تطويرها لتبلغ خلال فترة وجيزة مستويات متقدمة في شتى المجالات السياسية والعسكرية والتجارية، نتائج هذا الاندفاع باتجاه تعزيز التعاون مع الجانب الإسرائيلي انعكست بوضوح على الأرقام في المجال التجاري، بحيث قفزت قيمة صادرات تركيا إلى إسرائيل خلال الأعوام العشرة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية من 850 مليون دولار سنوياً إلى 2,4 مليار دولار.

كذلك شهدت تلك الفترة إبرام البلدين لصفقات عسكرية بملايين الدولارات، قامت تل أبيب بموجبها بتحديث المقاتلات الحربية التركية وتزويدها بالصواريخ ومعدات الحرب الإلكترونية، فضلاً عن إجراء الطرفين لمناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط وغيرها من أوجه التعاون العسكري.

أعقب تلك الفترة دخول العلاقات التركية ـ الإسرائيلية مرحلة من التوتر، وذلك إثر سلسلة من الأحداث بدأت بالهجوم الإسرائيلي على غزة أواخر عام 2008، مروراً بالمشادة الكلامية بين أردوغان والرئيس الإسرائيلي حينذاك شمعون بيريز في المنتدى الاقتصادي في دافوس، إلى أن بلغت العلاقات مرحلة القطيعة الدبلوماسية عام 2010، على خلفية اقتحام جنود البحرية الإسرائيلية سفينة مرمرة التركية، التي كانت في طريقها إلى غزة وقتل في الحادثة عشرة مواطنين أتراك.

بتوتر العلاقات التي كان الطرفان يعملان على تعزيزها وتطويرها على حساب قضايا ومصالح شعوب المنطقة، قدّم أردوغان نفسه كأشدّ المدافعين عن الشعب الفلسطيني وقضيته بعد أن كان من أشدّ الداعمين لإسرائيل والساعين لتوطيد مجالات التعاون معها.

لكن دفاع أردوغان لم يخرج عن إطار الشعارات الرنانة والخطابات الفضفاضة، وهي اللغة نفسها التي يستخدمها في الصراع الدائر حالياً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي ورغم نجاحها في خداع وتضليل البعض وإقناعهم بأن أردوغان هو حامي القضية والمدافع الأوحد عنها، فإنها في حقيقة الأمر لا تخدم القضية الفلسطينية قيد أنملة بل من شأنها صبّ المزيد من الزيت على النار، وبالتالي دفع الفلسطينيين المزيد من الدماء، وإن توجيه الانتقادات لإسرائيل وإطلاق التصريحات النارية ضدها هو أقصى ما يمكن أن يقدمه أردوغان للفلسطينيين، وليس هناك مثال واحد على الأرض يدحض هذا الكلام.

لم يترك النظام التركي ساحة صراع في المنطقة إلا وانخرط فيها عسكرياً كما في سوريا وليبيا وأذربيجان والعراق، إذن لماذا لا يترجم أردوغان تصريحاته المعادية لإسرائيل على الأرض بالانخراط عسكرياً في الصراع والوقوف إلى جانب الفلسطينيين؟ هل يتجرّأ أردوغان مثلاً على إرسال الأسلحة إلى حماس؟ هل يستطيع إرسال المرتزقة لمحاربة إسرائيل كما يفعل في بقية الصراعات التي انخرط فيها في المنطقة؟ ثم أليس من الأجدر بأردوغان وبدلاً من اتهامه لبايدن بدعم إسرائيل وإمدادها بالأسلحة وهو أمر لا ينفيه الأخير بل تقره واشنطن، أن يُقدم على خطوة مماثلة تجاه الفلسطينيين إذا كان صادقاً بالفعل في مناصرتهم؟

هذا ليس كل شيء، فالنظام التركي وفي الوقت الذي يذرف فيه دموع التماسيح على الفلسطينيين ويمثل دور المدافع عن قضيتهم، يعمل من خلف الستار على إعادة تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ووفقاً لوثائق مسرّبة كشفت عنها المعارضة التركية، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم أنفق خمسة وستين مليون دولار على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لإقناع تل أبيب بأنهم أصدقاء لليهود وحلفاء لإسرائيل.

فضلاً عن ذلك، فإنه ورغم كل محاولات أردوغان إظهار العداء لإسرائيل أمام العالمين العربي والإسلامي، لم يلحق أي ضرّر بالتعاون الاستخباراتي بين البلدين، أما بالنسبة للتعاون في المجال التجاري فإنه سائر في المنحى التصاعدي عاماً بعد آخر، ووفقاً للبيانات الصادرة عن المؤسسات التركية الرسمية، فإن تركيا صدرت بضائع بقيمة 4.7 مليار دولار إلى إسرائيل في عام 2020، لتحتل الأخيرة المرتبة التاسعة في قائمة مستهلكي صادراتها، وفي الأشهر الأربعة الأولى من عام 2021 زادت صادرات تركيا إلى إسرائيل بنسبة 35٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصبح إسرائيل في المرتبة الثامنة بقائمة الدول المستوردة للسلع والبضائع التركية، إنه نفاق واضح وفاضح واتجار علني بالدم الفلسطيني، مع ذلك هناك من ينخدع بأكاذيب وخزعبلات أردوغان!