لحل أي مشكلة، نحن بحاجة إلى ناقد متخصص، وباحث متخصص

حسين دلف (كاتب)_

غالباً ما تكون ردة الفعل تجاه القضايا المتعلقة بالسياسة، والدين والأعراف الاجتماعية قاسية ومتعصبة، وتكون اللهجة جارحة، فالعاطفة الدينية والسياسية، والاجتماعية لدينا قوية، وردة الفعل التي نبديها في محاولة إثبات الولاء للدولة، والدين أمام الأفراد في المجتمع، لذلك نجد اختلاف الآراء، وتنوعها وكثرتها لدرجة أنه لا يمكن الإحصاء، أو الاعتماد على ردود الفعل لدى الجمهور لتشكيل رأي عام موحد تجاه قضية، أو مشكلة ما ضمن المجتمع، وذلك بسبب الاختلاف الكبير في مستوى وعي الأفراد، وكثرة الآراء المطروحة، والتعصب في الرأي، والأهم من ذلك غياب التخصص، أي غياب الناقد المتخصص.
نحن نرى في مجتمعاتنا، أن الجميع ينتقد السياسة والاقتصاد، والفن والدين، والكل يدافع عنها بالوقت نفسه، عدا عن ذلك فنحن ما زلنا نفتقد لقوة الاعتراف بجهلنا تجاه قضية ما، فنرى أن كل فرد منا يتحدث، إن أتته فرصة الحديث، وكل حديثنا يكون عبارة عن كلمات عابرة فقط، النقد بدون تقديم الحلول، ودون تحليل للمشكلة، ودون تحديد للأسباب، والمسببات.
فنحن اليوم بحاجة ماسة إلى الرأي، الذي يحلل المشكلة، ويقدم الحلول لها بدلاً من تضخيمها وجعلها أكثر صعوبة، نحن بحاجة إلى الآراء، التي تطرح بحيادية، وبشكل موضوعي بدون تعصب وولاء لجهة ما، سواء دينية أو سياسية، أو عشائرية أو عرقية، وفق دراسة وقراءة علمية معرفية بعيدة عن المصالح الشخصية، أو العامة، حتى وإن كانت النتائج مخالفة لرأي الغالبية.
فكل دراسة علمية ومعرفية لأي مشكلة في المجتمع، يكون هدفها الإصلاح، وتقديم الحلول الممكنة، هنا تكون الغاية هي إدراك لحقيقة المشكلة، والعقبات التي تواجه المجتمع كما هي بدون تغليف أو تجميل.
فنحن اليوم بحاجة إلى نقاد حقيقيين متخصصين في النقد في كل مجال من مجالات الحياة، نحن بحاجة ماسة لآراء الباحثين العلميين الأكاديميين، لا نستطيع أن نتقدم ونتطور بغياب هاتين الفئتين بالمجمل، نحن بحاجة إلى أهل الاختصاص في كل مجال لحل مشاكل الاقتصاد، نحن بحاجة إلى متخصصين في العلوم الاقتصادية، ولحل المشاكل السياسية، نحن بحاجة إلى متخصصين في العلوم السياسية، ولحل المشكلات، والإشكاليات الدينية، نحن بحاجة إلى رجال الدين المتخصصين في العلوم الدينية، ولحل المشكلات الاجتماعية نحن بحاجة إلى متخصصين في العلوم الاجتماعية، ولحل مشكلة التربية والتعليم نحن بحاجة إلى المتخصصين في التربية والتعليم، وكذلك الأمر في المجالات الأخرى في المجتمع.
فالأبحاث العلمية هدفها الأساسي الوصول إلى الحقيقة، بغض النظر، إن كانت هذه تخدم مصالح المجتمع، أو المصالح الشخصية، فقط تقوم بتقديم الحقائق، والمشكلات كما هي دون تعديل، أو تجميل لها.
إن أهم ميزة يجب أن يتميز بها أي باحث في مجاله، هي ميزة الحياد، أي أنه لا يتّبع عواطفه وميوله السياسية، والدينية والعرقية؛ لكي يستطيع تقديم الفائدة للمجتمع وللأفراد.
والمثقف، والباحث الأكاديمي يجب أن يبتعدا عن الانخراط في الجماعات السياسية، والدينية في المجتمع، وأن يكون هدفهما الأسمى هو تقديم الحلول، وتوضيح مكامن الخلل دون محاباة أو مجاملة لأي طرف على حساب الأطراف الأخرى، فكل حقيقة جديدة في المجتمع دائماً ما تواجه الرفض ظاهراً عند الجماعة، لكنها مقبولة داخلياً عند كل فرد من أفراد الجماعة فقط.
فمثلاً ثقافة الخوف من الرأي العام، ومن رأي السّلطة، تجاه كل حقيقة، هو ما يمنع الفرد من الاعتراف بتبنيه لهذه الحقيقة، وبطبيعة الحال نحن مجتمعات نخشى التغيير، خاصة في النواحي السياسية والدينية، بسبب الاستبداد والظلم، الذي تعرضت له مجتمعاتنا، فإن معيار القبول لدى الجمهور العام على أي قضية أو مشكلة، أو حقيقة جديدة هو درجة رضا السلطة وقبولها لها.
نحن نعيش في مجتمعات متعصبة سياسياً ودينياً وعشائرياً وعرقياً، مجتمعات تعيش من زمن بعيد تحت وطأة الظلم والاستبداد، والنهب الممنهج لخيراته سواء الخيرات المادية، أو الثروة البشرية التي تم نفيها وتهميشها من قبل السلطة، لذلك نصر دائماً على جودة التعليم، وتطبيق القانون، وأن تكون الكلمة العليا هي للقانون، فالتعليم الجيد مع منظومة أخلاقية جيدة حتماً سيكون النتاج أفراداً ذوي كفاءة عالية ضمن كل اختصاص.
والقانون القوي الجيد سيكفل الحفاظ على حقوق كل فرد من أفراد المجتمع، بعيداً عن الطبقية الاجتماعية، أو السياسية، التي ينتمي إليها. نحن نبحث عن مجتمع قريب إلى أقصى حد من الفضيلة، يكون التعليم والتخصص والقانون فيها فوق أي سلطة أو نظام.