لا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك

نوري سعيد –

بدايةً؛ ملتقى عشائر شمال وشرق سوريا في عين عيسى في الثالث من الشهر الجاري لم يصدر عنه بيان يُندد بفصل روسيا القرم عن أوكرانيا، كما أنه لم يؤيد انفصال أوكرانيا عن روسيا، ولم نسمع بأن السيد لافروف قد أصبح نائباً لوزير الخارجية السوري وليد المعلم. كما أننا تأكدنا بأن سوريا قد انضمت إلى الاتحاد الروسي، الذي يرأسه بوتين بالتناوب الأوتوماتيكي بينه وبين ميدفيديف، وإذا كان الأمر كذلك فليس من حق لافروف أن يصف الملتقى بأنه يهدف إلى عرقلة أستانا وتقويضه كما جاء في وصفه. ولكن إذا كان السيد لافروف حريصاً على وحدة وسيادة سوريا هكذا فلماذا انسحبت قواته من عفرين لتقوم تركيا باحتلالها؟ وإذا كان الوجود الروسي في سوريا بطلب رسمي من النظام فهذا لا يعني أن تتصرف روسيا في سوريا وكأنها محمية لها، وأن تتدخل في كل شاردة وواردة وأن تفعل ما لا يحق لها أن تفعله في سوريا.

ونحن أبناء المنطقة لدينا مثل شعبي بهذا الخصوص يبدو أنه غير دارج في روسيا يقول: لا تتدخل فيما لا يعنيك حتى لا تسمع ما لا يرضيك، وروسيا اليوم تدخلت بشكل سافِر في الأزمة السورية، حيث قتل الجيش والطيران الروسي ودمر وخرب أكثر مما فعلته اسرائيل في كافة حروبها مع سوريا، كما أننا لم نسمع أن رئيساً من الحقبة السوفيتية حطت طائرته في إحدى الأماكن السورية وطلب من الرئيس السوري أن يقابله هناك! بالمختصر المفيد روسيا بوتن لا تختلف عن كافة الأطراف الدولية والاقليمية التي تعمل من أجل مصالحها على الساحة السورية، فهي جاءت أيضاً لتحقيق مصالحها على حساب دماء شعبنا السوري لا أكثر ولا أقل.

ولا يجوز لوزير الخارجية الروسي لافروف اتهام ملتقى عين عيسى بالتقسيم، وبالعكس من ذلك دعا الملتقى إلى وحدة وسيادة سوريا أرضاً وشعباً، وبناء سوريا جديدة لامركزية ديمقراطية ينعم فيها السوريون جميعاً بالحرية والأمان والعيش الرغيد. والعشائر التي شاركت في الملتقى هي ذاتها التي شاركت في الثورة السورية الكبرى عام 1925، ومن المعيب وصفها بالداعية إلى التقسيم وعرقلة أستانا وكأن الأخيرة قد جلبت لسوريا المن والسلوى والأمن والأمان. وأستانا بالأصل هدف منذ اليوم الأول لخرق السيادة السورية، لأنها لا تضم أي طرف سوري في اجتماعاتها. إن ملتقى عين عيسى جاء لإيجاد رؤية مشتركة لحل أزمتنا التي نعاني منها منذ ثماني سنوات، لأن النظام لا يبدو جدياً في عقد مؤتمر حوار وطني سوري- سوري يتوصل من خلاله السوريون الوصول إلى صيغة حل ينقذ الوطن والعباد، بعيداً عن أي تدخل أجنبي أو إقليمي بعد كل الذي حصل لنا من مآسٍ وويلات، لهذا فإن اجتماع عين عيسى يعدُّ تحريكاً للخطوات الواجب اتخاذها لكسر الجمود وتعنت نظام البعث في قبول أي مقترح من أي طرف كان، والاصرار على مواقفه في وصف كافة الأطراف بالعمالة والخيانة، ولا يزال يعتبر نفسه على صواب والآخرون مارقون وعليهم أن يقدموا له الاعتذار والندم، وليعلم النظام في دمشق أن التاريخ لا يمكن أن يعود إلى الوراء، ولا يمكن إعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل بداية الأزمة، ولابد من عقد اجتماعي جديد يتوافق عليه كل السوريون يحقق تطلعاتهم في غدٍ أفضل وحياة جديدة، ولا يجوز لكل من هب ودب أن يصف أية خطوة تصب في طريق ايجاد مخرج لما نعاني منه بأنها خيانة أو تشابيه أخرى لا تصب في مصلحة الوطن العليا. لأننا كلنا سوريون ولا تنحصر الوطنية بالبعث التي تدعيها كلاماً فقط، ونحن جميعاً نريد أن يكون وطننا أحلى وأن تعم فيه المحبة والأخوة والتعايش العادل المشترك، وكفانا تناحراً وعداوات، لأن سوريا هي أُمنا جميعاً ونفديها بأرواحنا ولا داعي للسيد لافروف ولا بقية الأطراف على الأرض السورية أن يلقوننا دروساً في الوطنية، ونحن كسوريين كنا ولا نزال وسنبقى منارات يهتدي بنا الأحرار، وعازمون أن نعيد ألق سوريا ومجدها الغابر كبلد المحبة والسلام والتآخي رغم أنف المتآمرين، ولن يكون ذلك إلا بالحوار الأخوي السوري- السوري الذي بات أمل السوريين جميعاً، وهذا ما يعمل عليه الشرفاء والمخلصون من أبناء هذا الوطن العظيم.