كوباني قلعة الصمود وشعلة التحرّر

مثنى عبد الكريم –

جلس حمو يشعل سيجارة متجهم الوجه تبدو عليه علامات الغضب والحيرة والدهشة والذهول، مشاعر مختلفة كموج بحر يتلاطم في يوم عاصف، نادى إمام بلغته الكردية وبصوت عالي قائلاً: “إمام ورا لاااااو” ، جاء إمام مسرعاً: ماذا بك؟!! حمو نظر للجالسين من أصدقائه الذين كانوا يجدون في مكبس البلوك الذي يملكه حمو وإمام ملاذاً آمناً يحتسون فيه الشاي ويشربون الدخان سراً خوفاً من بطش طيور الظلام وعيونهم، سكت الجميع ليسمعوا حواراً بين الإخوة بلغتهم الأم لم يفهموا ما حدث غير أن إمام هب قائماً وهو يقول “حمو أنا بدي أروح” ليصرخ حمو “أقعد تكفينا هالمصيبة”، الجميع ممن حضر صامتون غير أنهم فهموا أن هناك أمراً ما، وليس بالأمر السهل بل ربما طامة، وكانت الطامة عندما التفت حمو للجالسين وفي عينه بريق ودمعة يريد مقاومتها قائلاً “آسف شباب بس كوباني….” تلعثم حمو ابن كوباني وابن الرقة سمع الحضور حشرجة صوته المتألم “ماذا حدث شغلت بالنا؟! قال أحدهم ليتابع “هجموا عليها وفي شهداء ومنهم ابن عمي وعيلتو”، صمت الجميع وبعد التعزية قال أحدهم “من الذي هجم الجيش الحر، النظام” قال حمو “لا بل داعش”، هنا صمت الجميع، هذا يعني مجازر ودمار، قال حمو “بل هو يوم القيامة”.

٢٥/ ٦ /٢٠١٥ كان يوماً لا يُنسى.

استمر الهجوم وكان أصدقاء حمو يتابعون أخبار كوباني منه وهم يعتصرون ألماً أمام منظر السيارات المقطورة من كوباني وقد سرقتها طيور الظلام، استمرت المقاومة وبدأ الدفاع الشعبي، كان أصدقاء حمو يسمعون منه عن المقاومة هناك ويتابعون عبر الأخبار ما يحدث كل ذلك يحدث في معمله في الغرفة التي كان بها التلفاز وجهاز الريسيفر والصحن الصغير المخفي خوفاً من بطش الطغاة، حتى جاء يوم سمع الجميع عبر مكبرات الصوت في المساجد ومن خطباء داعش الذين كانوا يهينون المصلين من المدنيين المغلوب على أمرهم ويُعيّرونهم بأن نساء الأكراد يقاتلنَ وأنتم جالسون عند نسائكم، وأنه بالأمس فجرت امرأة نفسها لتمنع الدواعش من التقدم، قال أحدهم يبدو أن ألمهم كبير لتعلو ضحكة إمام الذي قال “لاو هذول ما يعرفوا شي والله الحجر ليحاربهم”، كانوا يجيئون بموتاهم بأعداد هائلة حتى جاء اليوم الذي أُعلن فيه عن هزيمتهم وانتصار مقاومة الدفاع الشعبي والقضية الإنسانية.

الآلاف من الشهداء والشهيدات والبيوت المدمرة انتصروا على طيور الظلام المرسلة من قبل صانعهم الحقيقي التركي الطوراني والذي صُدم من قوة مقاومة كوباني وأهلها وهكذا كانت شرارة المقاومة وانطلاق شعلة الحرية والتحرر، ولكن داعش انتقم من المدنيين عندما رجع لعاصمته المزعومة إهانات وشتائم وقرابين بشرية وتهجير للأكراد من بيوتهم والاستيلاء عليها، جن جنونهم وكانوا يرددون دائماً نسائهم تقاتلنا والرجال عندنا يجلسون في بيوتهم لم يسلم منهم تاجر ولا حتى متسول كانت الصدمة قوية.

نعم حكايتنا اليوم هي مقاومة المرأة وتعاون الأخوة والوقوف في وجه الطغيان حكايتنا هي كوباني قلعة الصمود وشعلة الحرية التي ستبقى شوكة في أعين الطغاة.