في مثل هذا اليوم.. انطلاق أكبر محاكمة تاريخية في إمرالي

انطلقت في جزيرة إمرالي الواقعة في بحر مرمرة في 31 أيار 1999 أكبر محاكمة تاريخيّة. فقد اُسر القائد عبد الله أوجلان بمؤامرةٍ دوليّةٍ وتمَّ تسليمه لتركيا، وتم تقديمه أمام القضاة لأولِ مرة. وكانت قضيةً لافتةً توجهت إليها أنظار العالم أجمع، لتمثل لحظةً تاريخية، إذ كانت حقيقة الشعب تُحاكم في شخص القائد أوجلان. وانطلقت المحكمة في ظلِ ضغوط كبيرة ونُقلت للعالم مباشرةً على الهواء.

تم تأسيس محكمةٍ خاصة واُختيرت الجماهير الموجودة في المحكمة أيضاً بشكلٍ خاص وأرسلوهم إلى إمرالي. كان هناك جوٌ مهيبٌ يقطعُ الأنفاس وبخاصة في أوساط الشعب الكرديّ. وقد كانت هناك حالة من الغضب نتيجة غياب القائد. وعرضوا على وسائل الإعلام مشاهد مصورة (فيديوهات) للقائد وهو معصوب العينين وواقف تحت العلم التركيّ في رسالة مباشرة تمسُّ كرامة الشعب الكرديّ.

محاكمة معروفة النتيجة مسبقاً

أُقيمت محكمة شكليّة معروفة النتائج سابقاً. فقد كان كلّ شيء معداً بشكل مسبق. وقد أرادت الدولة التركيّة إظهار القدرةِ على تحقيقِ انتصارٍ كبيرٍ. لقيت هيئة المحكمة المتوجّهة إلى إمرالي اهتماماً إعلامياً كبيراً. إذ تحوّلت كل عبارةٍ صدرت منهم إلى عناوين رئيسية. نشروا فيديوهات لهم وهم يتناولون التوت وأظهروهم وكأنهم راضون وفرحون بهذه القضية. باعتقال قائد حركة التحرر الكردستانية، والحكم عليه بالإعدام في سجنٍ بالجزيرة، استمر الأشخاص الجهلاء الذين يعتقدون أنّ المشكلة قد حلّت من تلقاء نفسها بالحديث والمناقشة في هذه المواضيع لأسابيع وأشهر. لم يكن يُعرف جيداً معاني الأمور التي قيلت في ظروف الضغط. لقد اعتقدوا أنّ كل شيء قد انتهى. ووجهوا من خلال حكم الإعدام الذي اتّخذوه بحقّ القائد مرةً أخرى رسالة “كردستان المتخيّلة مدفونةٌ هنا”.

وبغض النظر عن تسجيله كمحاكمةٍ تاريخية، فقد كانت نتائجها واضحةً منذ البداية. إذ لم تتضمن هذه المحكمة الشكلية حق الدفاع أو الحديث. مضى على محاكمة إمرالي 23 عاماً على التمام وإعادة تقييم هذه العملية من جديد أمرٌ في غاية الأهمية.

كان خطؤهم فادحاً

حكمت الدولة التركية الفاشية في المحاكمة التي أُجريت في إمرالي على القائد بالإعدام ثم تم تحويله للسجن المؤبد نتيجة إلغاء عقوبة الإعدام. ترى ما الذي حققته؟ اعتقدوا أنّ حزب العمال الكردستاني سيتفكّك وستنتهي هذه المسألة. ويُدرك اليوم بشكلٍ أفضل أنّ القضية الكردية ليست قضيةً ربطه بحزب العمال الكردستاني فقط. وطالما كانت هناك قضيةٌ كردية سيكون هناك حزب العمال الكردستاني والتنظيمات المشابهة لها أيضاً.

من أملوا بتصفية حزب العمال الكردستانيّ من خلال اعتقال القائد أوجلان ارتكبوا خطأً فادحاً. ورغم ظهور أكبر نزعة تصفية داخل الحزب بعد اعتقال القائد، فلم تتمكن من قطع الطريقِ أمام المهمة التاريخيّة لحزب العمال الكردستاني. فمن لا يعلم حقيقة حزب العمال الكردستانيّ وأنّه حركةٌ تقدمية ولا يعتبره حركةً رائدة، لن يتمكّن من فهمه والتعرّف عليه. بصلب القائد أوجلان على بلاط إمرالي، ووضع حزب العمال الكردستانيّ في ظروفٍ صعبة وحشد أولئك الذين يريدون تصفية الحزب والخونة في الداخل أيضاً لم يتمكّنوا من القضاء عليه، من الذين يسعون للقضاء على حزب العمال الكردستانيّ، وإطلاق عمليات عسكريّة شاملة، ويقومون باستخدام الأسلحة الكيماويّة يظهرون أنّهم لم يقرؤوا تاريخ 23 عاماً بما يكفي.

حرب حاسمة

الحرب التي تُشنّ اليوم ضد حزب العمال الكردستانيّ، تستمر على مستوى وحشيّ. ويُستخدم في هذه الحرب التي تُشنّ بدعم من الناتو للعدو مختلف أنواع التقنيات. ورغم الهيمنة التقنية فإنّهم لا يستطيعون تحقيق أيّة نتيجة. والإرادة الكبيرة التي أبداها الكريلا في أصعب الظروف أحبطت هجمات العدو. إنّ هذه الحرب المندلعة في كردستان اليوم تجري في ظلّ اختلالٍ كبيرٍ في التوازن. فمن الهيمنة الثقافيّة للدولة التركية إلى الهيمنة التقنيّة.

 إنّ هذه الحرب التي أصبح لها جانباً دوليّاً بدعمٍ من الناتو ليست كافية لتحقيق أهدافها، لذا تقوم بشنّ الحرب الخاصة بمختلف الأساليب. وهذه الحرب هي في الوقت ذاته حرب مصيريّة. يمكنُ أن تكون هذه الحرب هي الأخيرة بين الدولة التركيّة الفاشية وحركة التحرر الكردستانيّة. إذ تُفسّر على أنّها حرب وجوديّة.

قفزة الأول من حزيران قرار تجديد المقاومة

تعدّ قفزة الأول من حزيران عام 2004 التي بدأها حزب العمال الكردستانيّ قراراً مهماً وحركةً جديدةً للمقاومة. تعبر عن العودة إلى القيادة من جديد. أُفشلت عملية التصفية. كما أنّه كان الرد الأقوى للسلطة الفاشية لحزب العدالة والتنمية. وقفزة الأول من حزيران 2004 التي جاءت ضد قرار المحاكمة الصادر في 31 من أيار 1999 تعدّ قراراً لإعادة المقاومة من جديد.

إنّ أفكار القائد أوجلان داخل محبسه في السجن الانفرادي والحراسة المشدّدة وفي ظروف العزلة المطلقة وخوضه مقاومةً لا مثيل لها، والأشخاص الذين عبروا حدود كردستان سابقاً بتضحيات كبيرة، أكد أنّ حزب العمال الكردستاني يكبر ويتسع ويقوى أكثر بالمحنِ والشدائد.

المقاومة الأخيرة للكريلا في مناطق زاب وآفاشين تعدّ أكثر مقاومةٍ مهيبة في تاريخ حربِ الشعب الثوريّة. وأثبتت قواتُ الكريلا عدم انهزامها مراتٍ عديدة، وبهذه المقاومة عزّزت هذه الحقيقة بشكل أكبر. والمحاكمة الجارية في إمرالي فشلت وانتصر خط القائد الذي كان يقول “سأتولى مسؤوليتي حتى لو كنت داخل القبر” وقائد حزب العمال الكردستانيّ. وانتصر الكريلا الذين قاوموا بشجاعة وقاتلوا بروحٍ فدائيّة فريدة.

وكالة هاوار