سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

فواصل من الحياة

عبد المنعم عامر/ كاتب جزائري_

كنت أعود للبيتِ مخموراً أو هارباً من حانة، وبطريقةٍ مدهشة كنتُ أقفزُ للبيتِ، أدخلُ غرفَتِي، أغّيرُ ملابسي وأتغّطى جيداً، ولم أسأل نفسي يوما كيف وصلت لفراشي، كنتُ أفتخرُ أمام أقراني أنّ أبي لم يكشفني؛ وأنّ أمي لم تبكِ لفعلتي.
بعد سنوات حَكَتْ لي أختي الصغيرة، أن أمي كانت تفعلُ كل هذا كي لا يكتشف أبي شيئاً، كانت تفتعلُ السعالَ بقوة؛ كي تغطّي عن شتائمي وغنائي السيء، كانت تمسحُ حقارتي ونذالتي ليلاً، وأكذبُ أمامها صباحاً دون أي خجل؛ ظّناً مني أنني فعلتُ كل ذلك وحدي.
 بعد سنوات طويلة ماتت أمي ليلاً، وهي (تسعل)، دونَ أن يذهبْ إليها أحد، قالوا: هي تفتعلُ هذا لأجل ابنها المدلل، وتهامسوا تحتَ الأغطية عاد السِّكير.
في جنازتها لم أذرفْ دمعةً واحدةً؛ لأنني كنتُ متأكدا أنها تفتعلُ الموتَ، أمي لم تمتْ، فقد كنتُ أراها كل ليلة أمام غرفتي، ومن شّدةِ بياضها أهتدي إلى السرير.
اكتشفتُ موتها بعد خمس سنوات؛ حين استيقظتُ صباحاً على عتبةِ البيت، والمّارة يشفقون عليَّ، ويتهامسون (يا حرام هذا ابن المرحومة سعاد)، حينها فقط صرخت وبكيت …. يا أمي.