قامشلو/ دعاء يوسف ـ يبحث في ذاكرته عن الماضي، الذي يعيد إحياءه من جديد، فيوثقه بلوحات فنية، تكون مرآة للجيل الجديد، في ألوانه المنسابة يخلد اللحظات والذكرى، بقوة وتناغم روحه الإبداعية، مستخدما ريشته وحسه الفني التصويري، ليرسخ مراحل تاريخية للحياة السورية والفراتية.
في التشكيل يعتمد الفنان على ذاكرته البصرية، ليحدد الفكرة، التي يبحث فيها، ويحدث إنتاجاً فنياً، فيبقى تميزه متعلقاً بذلك الإرث المحمول على ذاكرته، وهذا الإنتاج الفني يقدمه للمتلقي في مراحل حياته بصورة رمزية فيها الكثير من الواقعية، فيبث فيها الحياة الفنية حتى تبدو قصة قصيرة أو قطعة شعرية دقيقة بحبكة لونية معبرة يفهمها المشاهد بصمت، محققاً بذلك تطوراً وتقدماً بعمله الفني.
ويستمر في فنه الإبداعي الهادف حتى يكاد يقترب من العادات والتقاليد والآداب المجتمعية بفن هادف نبيل مميز، ويكون بذلك قد قدم تجربته الفنية التي يعتمد فيها على اللون والفكرة المنسوجة بخيال آخّاذ.
بيئة فنية
وهذا حال الفنان “حمود سليمان“، حيث بدأ الرسم منذ نعومة أظفاره، ولميله الشديد إلى الشكل واللون، فقد استهوته الموجودات بأشكالها وألوانها، وقد مارس الرسم هو وأخوه الذي أسماه “توأمه الفني” فعلى الرغم من صغر سنه أبدع رسم لوحات تميزت عند أقرانه الصغار، وهذا كله اكتسبه من البيئة الفنية المحيطة به، فمدينة الرقة غنية بالتراث والإنتاج الفني المتوارث عبر الأجيال، فنمى سليمان موهبته، وصقلها حتى غدت هواية تسري في عروقه. وفي لقاء لصحيفتنا مع الفنان “حمود سليمان”، حدثنا عن بداية شغفه: “كنت أحاول نقل بهجة الواقع، بعد أن تنطبع في مخيلتي على أي سطح قابل للرسم كالورق، فهذا الجمال كان يأسرني لأحاول الاحتفاظ به على أوراقي، وقد شجعتني والدتي، التي كانت تعشق الشعر على ذلك فكنت أحول قصائدها للوحات”.
وما شجع الفنان على تعلم الفن بأشكاله، البيئة المحيطة به، فنوه: “لم تكن هناك وسائل ترفيهيه منتشرة في المدينة سوى قراءة الكتب، أو القاء الشعر، والرسم والعزف أحيانا، وهذه البيئة الغنية بالفن؛ جعلت مدينة الرقة مكانا للثقافة والفن”.
وقد درس في معهد للفن في لبنان عام 1995، ثم أكمل الفنان مسيرته الدراسية، فدرس الإعلام في جامعة دمشق، فتخرج منها في عام 2010، وبقي حاملاً حبه للفن بين ثنايا قلبه، ثم تابع ملاحقة حلمه في مدينته الرقة.
هذا وقد أقام معرضه الأول في مدينة حمص: “قد افتتحت أول معرض لي في حمص عام1985، وكانت لوحاتي في المعرض رسومات لبيوت ريفية، ثم بدأنا بالمعارض الثنائية في سوريا، وخلال رحلتي بين الدول العربية درست الرسم بطريقة أكاديمية، إلا أن إنتاجي الفني لم ينتهِ”.
وقد كان للجانب المحيط به دور فعال في تميزه وإبداعه، وإظهار شغفه الفني، ومقدار تفاعل هذا المحيط مع ما يقوم به بشكل إيجابي، من تشجيع ومساعدة وتوفير لما يحتاجه، وكان الفنان حمود سليمان محظوظاً بوجود أشخاص داعمين له في مسيرته الفنية من أصدقاء، ومعلمين: “تلقيت الدعم الكبير من الوالدة التي كانت لها بصمة واضحة على لوحاتي، ومن أصدقاء مقربين شكلوا شخصيتي الفنية، ولا أنكر تأثري الشديد بالفنانين العالميين والمحليين، الذين كان لهم دور بارز في تقدمي الفني وهم الذين أعطوني دافعا قويا للاستمرار”.
صعوبات ومعوقات
وتطرق سليمان، إلى الصعوبات التي تواجه الفنان خلال مسيرته الفنية بقوله: “حياة الفن مليئة بالصعوبات فمع كل لوحة جديدة ترسمها تغرق في خفايا الفن، وأكثر عمل يجذب الفنان هي الأنثى بأسرارها”، ويبين سليمان أن المرأة تشكل هاجساً له: إن “الأنثى تكمل حياتنا الاجتماعية، وبالتالي تشكل مكوناً أساسياً من اللوحة الفنية، فالأنثى أكثر ما يجذب الفنان، وأكثر ما يرهقه”.
وكان أول ما رسمه الفنان سليمان هو وجه المطربة “فيروز”، وقد فرق سليمان بين الفنان والرسام بقوله: “إن الرسم هو أول مرحلة للفنان، مستخدما القلم الرصاص برسم رسوماته، فيرسم الواقع، والوجوه دون لفتة فنية، أما الفنان فهو يخلق المناظر، ويوجد الوجوه، فإن أعطيت الفنان قصيدة شعرية فإنه يبث فيها روح الحياة والحركة بلمسات فنية خلاقة، مستخدما الألوان في إظهار الفكرة”.
كما نوه للفرق بين من يبيع إنتاجاً فكرياً، ولوحة عادية: “أغلى مواد هي مواد الفن، وأخطر تجارة هي تجارة اللوحة، فهي منتجات قليلة التكلفة عالية القيمة، فالفنان يعد لوحته بعد زمن طويل من نتاج هذا العمل الفكري”.
