رامان آزاد_
وفي أول يوم جمعة من كانون الأول وفق التقويم الشرقيّ يحتفل الكرد من أتباع الديانة الإيزيديّة بعيدِ “إيزي” بعد صيام ثلاثة أيام، ويرددون في تراتيلهم الدينيّة الخاصة بهم أنّ لله ألف واسم والأعظم بينها “إيزي”، إلا أنّ فرحة لم تكتمل، فلا زال مصير المئات مجهولاً وما زال عشرات آلاف الإيزيديين في عفرين وسري كانيه بانتظار مهجرين قسراً ومن بقي منهم ملزمٌ بالتقية في عقيدته.
عيد الصوم
يحتفل الإيزيديون بعيد إيزي أي عيد الخالق أو ما يُعرف بعيد الصوم الكبير، ويصادف العيد أول يوم جمعة من كانون الأول بعد صيام ثلاثة أيام، يمتنعون فيها عن الأكل والشرب من لحظة بزوغ الشمس حتى مغيبها، أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، وفق التقويم الشرقي” الكرمانجي”، والذي يختلف عن التقويم الميلادي والشرقيّ بفرق 13 يوماً.
وإيزي أي السلطان والخالق “الله” كما يطلق عليه في الديانة الإيزيديّة، وتقول ميثولوجيا الإيزيديين بأنّهم استمدّوا اسم إيزيديّ من اسم الله، وهم أول شعبٍ عرف وحدانيّة الله وعبادته، ويأتي العيد قبل الانقلاب الشتويّ بفترة من (1ـ 8) يوم، وهي بداية حالةٍ جديدةٍ في حياة الإنسان على هذه الأرض، ولذلك، فإنّ المناسبات والأعياد الإيزيدية حسب هذا التقويم لا يتغير موعدها من السنة.
يسبق صيام “إيزي” أسبوعان آخران من الصيام أيضاً، حيث يصوم الإيزيديون تسعة أيام موزعة على ثلاثة أسابيع، يُصامُ منها أيام الثلاثاء، الأربعاء والخميس فقط.
ويُطلق على كلّ أسبوع اسم معين، حيث يسمى الأسبوع الأول بصيام شيشمس، والأسبوع الثاني “صيام خودانا “أي صوم الإله، والأسبوع الثالث والأخير يسمى “صوم إيزي” أي صوم الله”، ليحتفل بعدها الإيزيديون في يوم الجمعة من الأسبوع الأخير بعيد إيزيد Cejna Ezid، وخلال أيام الصوم تحرّم الذبائح، والكلمات النابية، وتمنع المناسبات الحيّة ويتوقف الجميع عن العمل، ويطغى الدعاء فقط على هذه الأيام، ولا يفرض الصيام على المصابين بأمراض مزمنة، أو المسافرين.
يبدأ الصيام بالإمساك عن الطعام والشراب منذ ساعات الفجر، حتى وقت الغروب. وقبل الإفطار يفرض على الصائم الاغتسال بمياه نظيفة ثم الجلوس على مائدة الطعام. وقبل البدء بالإفطار يبدأ الدعاء لِلَّه من قبل كبير العائلة من أجل قبول الصيام.
وينقسم الصوم عند الإيزيديين إلى نوعين، صوم العامة المعروف بـ “صوم إيزي” الذي يصوم فيه جميع الإيزيديين ذكوراً وإناثاً، كباراً وصغاراً ويمتنعون خلاله عن الطعام من شروق الشمس حتى مغيبها، والثاني هو “صوم الخاصة” وهو صوم خاص برجال الدين ويجوز لمن يرغب صيامه أن يصوم أيضاً، ويقال عنه صوم أربعينية الشتاء وأربعينية الصيف.
وعلى هذا الأساس هناك تفسير ميثولوجي إيزيدي، ففي هذا الوقت من السنة تقل ساعات النهار (النور) وتزداد ساعات الليل الظلام، لذلك فالصوم تعبير عن الصراع بين النور والظلام، بين الخير والشر، وتعد هذه الأيام الثلاثة أقصر أيام النهار في السنة، لذلك يصوم الناس هذه الأيام الثلاثة، حتى تتجاوز الشمس هذه الفترة الحرجة، لتبدأ بعدها ساعات النهار وأوقات النور بالازدياد تدريجيّاً، تعبيراً عن انتصار النور في النهاية ومواجهة الظلام”.
وتشهد احتفالات الإيزيديين بالعيد قيامهم بنحر الأضاحي والابتهالات الدينية وزيارة القبور وتبادل الزيارات، حيث تتم استضافة الزوار وتقديم الطعام والحلويات، ووفق التقاليد الإيزيديّة يجب على كلِّ من يزورُ مهنئاً، أن يتناولَ من الطعام، أو قطعة حلوى واحدة على الأقل تعبيراً عن مشاركته فرحة أهل البيت، وبعد تبادل الزيارات بين العوائل تستقرُ كلّ عائلة في بيت شيخ العائلة أو كبيرها.
الأربعاء الأحمر ــ çarşema sor
من الأعياد عيد “رأس السنة” أو “الأربعاء الاحمر” وهو من أقدم الاعياد لدى أتباع الديانة الإيزيديّة، ويحتفل به في ثالث أربعاء من شهر نيسان، وبحسب معتقد الإيزيديين يعتبر شهر نيسان من أشهر الربيع المباركة ورمزاً للازدهار والتجدد، ويعتقدون أنَّ ملك الطاووس قد نزل إلى الأرض التي كانت سراباً ليحوّلها إلى أرضٍ حية من ماء وتراب كما هي وينبت فيها الربيع بألوانه.
أقدم ديانة توحيديّة
الإيزيديّة ديانة تؤمن بالإله الواحد، وسموا بهذا الاسم نسبة إلى ديانتهم “إيزي” التي تعني الله أو “الروح العالية” أ تعني الله أو “الروح الطاهرة الجديرة بالعبادة”، ويتحدثون اللغة الكرديّة، ويعيشون بشكلٍ أساسي في باشور كردستان وروج آفا وشمال وشرق سوريا كما تسكن مجموعات صغيرة منهم في “أرمينيا” وألمانيا” وجورجيا”. وتعدّ الشمس مقدّسة لديهم، وهناك أقوال دينيّة تعطيها القدسيّة، ويُذكر فيها أنّها نور الله على الأرض، ومن دونها لا حياة تستمر.
تحتوي الديانة الإيزيديّة عناصر مشابهة لديانات أخرى، مثل الزرادشتيّة والمسيحيّة والإسلام، وتحافظ على تفسيرات للحياة والكون وطقوسها الدينيّة مختلفة بشكلٍ لافت. ويعتقد الإيزيديون أن الله ـ Xwedê، قد سلّم الأمور الدنيويّة إلى سبعةِ كائناتٍ مُقدّسة، تُعرف باسم Heft Sir، ويعتبر ملاك الطاووس الأبرز بين هذه الكائنات المقدسة، ويعتقدون أنّه “الممثل الرئيس لله على وجه الأرض
اليوم الأسود ــ roja reş
تعرّض أتباع الديانة الإيزيديّة في باشور كردستان، على مدى قرونٍ، للاضطهادِ والظلم من الحكومات التي تعاقبت بالبلاد، وشهد تاريخهم على 74 فرماناً، كان آخرها “الإبادة الجماعيّة” التي تعرّضوا لها على يد “مرتزقة داعش الذي اجتاح شنكال في 3 آب 2014، وأدى لسقوط شنكال ونزوح جماعيّ للمجتمع الإيزيديّ قُدر عددهم بنحو 360 ألفاً شخص، ويُعرف باليوم الأسود ــ roja reş، وارتكب مرتزقة “داعش” جرائم مروّعة بحقِّ الكرد الإيزيديين، وبلغ عدد الشهداء خلال الأيام الأولى من هجمات “داعش” على شنكال 3.893، وتم اختطاف 6417 إيزيديّ، بينهم 3548 امرأة و2869 رجلاً، واقتادوا النساء والفتيات الإيزيديات سبايا وجواري، حتى الصغيرات منهنّ، إلى مناطق سيطرته في سوريا، وافتتحت أسواق النخاسة لبيعهم، وهو ما صنّفته الأمم المتحدة “جريمة إبادة جماعيّة”. وفيما عُثر على 82 مقبرة جماعيّة وعشرات المقابر الفرديّة للضحايا ودُمّر 68 مزاراً دينيّاً، فإنّ 2.763 بينهم 1.293 امرأة و1.470 من الشبان والرجال لا زالوا في عداد المفقودين منذ اختطافهم.
في عفرين كان الكرد الإيزيديون يعيشون في 22 قرية، وكان عددهم يُقدّر بنحو 25 ألف نسمة، إلا أنّه بعد الاحتلال التركيّ باتت بعض القرى خالية من أهلها الأصليين، وانخفض عدد الإيزيديين إلى أقل من خمسة آلاف شخص يعيشُ معظمهم في مدينة عفرين، ويُمارس بحقهم الاضطهادُ الدينيّ ويُمنعون من ممارساتِ عقائدهم وطقوسهم الدينيّة، وتمَّ الاعتداء على دور عبادتهم، وإجبارهم على اعتناقِ الإسلامِ وحضور الصلاة في المساجد التي بُنيت في قراهم، كما تمَّ تدمير أضرحة القبور والعبث بها، وتكررتِ الفصول ذاتها في القرى الإيزيديّة في منطقة سري كانيه بعد احتلالها في عدوان 9/10/2019.
