سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

عمال حلب يخاطرون بحياتهم في سبيل تأمين لقمة العيش..

شهدت قطاعات العمل في مدينة حلب، مؤخراً، إصابة بعض العاملين فيها بفيروس كورونا، ورغم تغيبهم بسبب الأعراض الشديدة، لم يتوقف زملاؤهم عن الدوام في المعامل والقطاعات ذاتها.
بالرغم من الانتشار الكبير والمتسارع  للفيروس في حلب وتوقف عدد من المشافي التابعة للحكومة السورية عن تقديم الخدمات الاعتيادية للسكان، مطلع الشهر الحالي، بعد تحويلها إلى مراكز استقبال للمصابين بفيروس كورونا فقط، كمشافي “الرازي وابن الرشد والجراحة الجامعي”، لا تزال معظم الأعمال والمصالح الصناعية والتجارية في حلب تعمل كالمعتاد، ويرتاد العمال أعمالهم بحسب ما صرح به بعض العمال من المدينة لوكالة “نورث برس”.
“الحاجة أشدُّ من المرض”
يستمر عبد الستار حمادة 32 عاماً، وهو عامل في ورشة لتصنيع الألبسة الجاهزة في حي الجابرية بمدينة حلب، شمالي سوريا، في الذهاب للعمل رغم أن خطر إصابته بفيروس كورونا يتزايد يوماً بعد آخر نتيجة انتشار الجائحة في المدينة، لكنه يرى أن عدم قدرته على تأمين الاحتياجات الغذائية لعائلته أقسى وأمرُّ من آلام ومخاطر المرض.
وقال حمادة إنه مضطر للاستمرار في العمل مهما تصاعدت التحذيرات من مخاطر الإصابة بفيروس كورونا، وذلك لتأمين احتياجات أسرته المكوَّنة من خمسة أبناء وزوجة إضافةً لوالدته وشقيقته.
وأضاف: “لربما أنقل العدوى لأسرتي، لكن هل أترك العمل وأتعرض للحاجة التي هي أشدُّ من المرض؟ فنحن العمال الذين يعيشون على دخل يومي أو أسبوعي أمام خياري الاستمرار في العمل واحتمال الإصابة من جهة أو الجوع والحاجة من ناحية أخرى”.
وذكر العامل أن أغلب العاملين في ورشته لا يراعون القواعد الصحية المتعارف عليها للوقاية من فيروس كورونا، وتابع: “وهم محقّون بذلك، فلا يمكن ارتداء كمامة بجوٍّ حارٍ وضمن شروط عمل قاسية تمتد لأكثر من /12/ ساعة”.
وأُصيب بعض العاملين، ممن يعرفهم حمادة ويتقاضون أجراً أسبوعياً لا يتخطى حاجز الـ/25/ ألفاً، بالوباء وتغيّبوا عن أعمالهم، ونوه عبد الستار حمادة  في ختام حديثه قائلاً: “ولكن ضرر تغيّبهم وعدم تلقّي معاشاتهم الأسبوعية فاقَ المخاطر التي تهدد صحتهم”، وفقاً لكلامه.
وبلغت عدد الإصابات في محافظة حلب حتى الآن /210/ إصابة، شُفي منها /20/ بينما سُجِّلت ثلاث وفيات، وفق وزارة الصحة التابعة للحكومة السورية.
“عانينا الأمرين بسبب التوقف عن العمل”
ولا يختلف حال محمود الأبير 25 عاماً، العامل في ورشة دهان، عن حال سابقه، فهو يرى أن “الذهاب للورشة والعمل لعشر ساعات متواصلة يُنسي المرء خطر كورونا، ويجعله يركِّز فقط على الكَسب”.
وأضاف الشاب، الذي يساعد والده الموظف المتقاعد في إعالة أسرة مكوّنة من ثمانية أفراد، أن تجربة فرض حظر التجول على مدينة حلب وتوقف جميع مراكز العمل في آذار ونيسان الماضيين ارتدّت سلباً على موقف العمال من الحظر، وأكد: “فقد عانينا الأمرين بسبب التوقف عن العمل، وحُرمت أسرتي من المدخول المادي الذي آخذه لقاء عملي”.
ورغم أن الحكومة السورية كانت قد وعدت بعد فترة فرض الحظر خلال الربيع الفائت بتعويض العمال عن تضرر أعمالهم بمبلغ /100/ ألف ليرة كتعويض عن تعطّل الأعمال، إلا أنهم لم يحصلوا على شيء حتى الآن، “بل عبارة عن وعود فارغة وكلام على ورق”، على حدِّ تعبير “الأبير”.
ولفت محمود الأبير إلى أن راتب والده التقاعدي لا يتجاوز /30/ ألف ليرة سورية، بينما حاجة أسرة عددها ثمانية أشخاص في ظل الغلاء وسوء الوضع المعيشي تتجاوز /300/ ألف ليرة سورية، وفقاً لكلامه.
إلى ماذا ستؤول أحوال العمال لو استمر انتشار الفيروس؟؟
ويقول أرباب أعمال إنهم يعملون جاهدين لتذليل العقبات أمام العاملين والمساهمة في تقليل أعداد الإصابات في منشآتهم من خلال التأكيد على الإجراءات الاحترازية ولو بالحدِّ الأدنى، لتفادي خسائر اقتصادية للعاملين ولأرباب العمل على حدٍّ سواء.
وقال في السياق ذاته جاك بحاتي 51 عاماً، وهو صاحب منشأة “بحاتي” لصناعة الخشب والمفروشات في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، لوكالة “نورث برس” إن أربعة عاملين في منشأته أُصيبوا بفيروس كورونا، وأضاف: “أحدهم لا يزال في مرحلة الخطر في مشفى زاهي أزرق والآخرون يتماثلون للشفاء”.
وأردف جاك بحاتي بالقول: “صحيح أن الإنتاج في معملي تعرض للضرر بسبب الإصابات، ولكني أواصل العمل ضمن شروط صارمة، كأن يكون لكل منهم أدواته الخاصة التي لا يتشاركها مع غيره، والحالة المُشتَبهُ بها تُمنَح إجازة مأجورة لمدة /15/ يوماً”.
ورغم أن صاحب المنشأة يشدد على أنه لم يوقف رواتب المصابين من عماله، وأنه يتابع وضعهم الصحي والمعيشي، إلا أن بعض العمال لا يرون في ذلك قاعدة تتبعها جميع المنشآت أو على المدى البعيد إن استمر انتشار الفيروس.