عفرين… تهجيرٌ واستيطانٌ

تقرير/ رامان آزاد –

---

مع تنفيذ مضمونِ توافقاتِ أستانه الخاصة بسوريا شهدت الأزمةُ السوريّة متغيّراً نوعيّاً تجلّى بظاهرةِ الترحيلِ، والواقعُ أنّ العمليةَ كانت نقلاً لعناصرِ التوترِ من منطقةٍ لأخرى، وكانت عفرين أهم المناطق المستهدفة، وشهدت تهجيراً قسريّاً لأهلها، ونقلاً واستيطاناً لأبناء المناطق الأخرى مكانهم.

 التهجير القسريّ

تتحدث منصات المعارضة السوريّة عن مظلوميّة لحقت بحاضنتهم الاجتماعيّة وأنّه تمّ تهجيرهم قسرياً من مناطقهم إلى شمال سوريا، ويتحدثون عن المظلوميّة رغم كلّ السلوكياتِ والانتهاكاتِ التي تصدرُ عمن يسمونهم “المهجرين المظلومين”، وارتكابهم تعديات كبيرة من بينها القتل ولآخرها جريمة قتل ارتكبها مستوطنون من حمص بحق المسن علي أحمد “عليكي” من ميدانكيّ، وبهذا فهم يستخدمون معياراً اعتباطيّاً للحُكمِ.

المُهجَّر: من أُجبر على الخروجِ من بلدِه قسراً إلى بلدٍ آخر ويعيشُ فيه حالةَ النزوحِ أي الإقامة المؤقتة. وعرّف القانون الدوليّ الإنسانيّ التهجير القسريّ بأنه “الإخلاء القسريّ وغير القانونيّ لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها”، وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وبإجراءات تعسفيّة قهريةّ، تقوم به حكومات أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعة عرقيّة أو دينيّة معينة، وأحياناً ضد مجموعات عديدة؛ بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة، أو فئة معينةٍ.

وتُعرِّف اتفاقيات جنيف الأربع، المؤرخة في 12 آب 1949، والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977، جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلق الأمر بالتهجير القسريّ، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف حظرت النقل القسريّ الجماعيّ أو الفرديّ للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم؛ بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.

إنّ عملية التهجير القسريّ وعمليات الإبادة الجماعيّة تتطابق مع ما نصّت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعيّة) التي أقرّتها الأمم المتحد في 9 كانون الأول 1948، وتمّ تفعيلها في 12/1/1951، والتي تعدّ الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكليّ أو الجزئي لجماعة قوميّة، أو إثنية أو عنصريّة أو دينيّة بمنزلة إبادة جماعيّة:

-قتل أعضاء من الجماعة.

-إلحاق أذى جسدي أو روحي خطِر بأعضاء من الجماعة.

-إخضاع الجماعة، عمدًا، لأوضاع معيشية، يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا.

-فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.

ضوابط النقل القسريّ

أوردت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 مجموعة من النصوص التي تحظر التهجير أو الترحيل القسريّ إلا وفقاً لضوابط حددتها في تلك النصوص، وقد أجازت المادة 49 من الاتفاقية في حالات الحرب لدول الاحتلال أن تقوم بإخلاء كلي أو جرئي لمنطقة محتلة معينة إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو اسباب عسكرية قهرية بشرط احترام الضوابط الآتية:

– يجب أن يكون نزوح الأشخاص المحميين المترتب على عمليات الإخلاء داخل الأراضي المحتلة ما لم يتعذر ذلك من الناحية الماديّة.

– أن يعادَ السكانُ المنقولون إلى موطنهم الأصليّة بتوقفِ الأعمال العدائيّة بالمنطقة.

– أن تتوافر أماكن إقامة مناسبة لاستقبال الأشخاص المنقولين.

– أن تجريَ عملياتُ نقلِ الأشخاصِ في ظروفٍ مرضيةٍ صحيّاً وأمنيّاً وغذائيّاً.

– ألا تؤدّي عملياتُ النقلِ إلى تفريقِ أفراد العائلة الواحدة.

– أن تخطر الدولة الحامية بعمليات النقل والإخلاء بمجرد حدوثها.

وقد حظرت المادة (17/1) من البرتوكول الإضافيّ الثاني لاتفاقية جنيف الرابعة بصفة صريحة الترحيل القسريّ للسكان المدنيين لأسباب تتعلق بالنزاع المسلح غير الدوليّ، إذ تمّ فيها تحريم وإبعاد ونقل السكان في أثناء النزاعات غير الدوليّة، وأكّدت الفقرة الثانية من المادة نفسها بعدم إجبار المدنيين على مغادرة ديارهم لأيّ سببٍ كان يتعلق بالنزاعِ وبهذا عدَّ إبعاد السكان خرقاً لاتفاقيات جنيف، وأصبح يشكّل جريمة حرب في أثناء النزاعات المسلحة إن كانت دوليّة أم غير دوليّة.

ما يميّز الإبعاد عن النقل القسريّ، فالإبعاد ترحيلٌ خارج حدود الدولة، فيما النقل القسريّ شٌمل عمليات التشرد الداخليّ للسكان ضمن حدود الدولة نفسها. وذكرت أيضاً بأن ذلك التمييز لا يؤثر على إدانة هذه الممارسات في مجال القانون الدول الإنساني.

ما حدث في كل مناطق خفض التوتر كان عمليات نقل أفضت إليها التسويات بعد جولة من العنفِ، ولم يطرأ من ورائهم أيّ تغيير على مناطقهم، أما في عفرين فالمشكلة متعددة السويات، وتبدأ بالعدوان والاحتلال والخروج القسريّ وملاحقة الأهالي بالقصف في جغرافيا التهجير أو الانتهاكات وجرائم القتل والخطف والسلب يحق من تبقى والتعديات على الآثار والأشجار والغابات والتغيير الديمغرافيّ وإحلال سكان مناطق أخرى في عفرين.

عفرين والاستيطان

المستوطنُ: من انتقلُ إلى بلدٍ آخر فاتخذه وطناً بديلاً، فيؤسسُ للحياة فيه، وكأن يشتري العقارات ويقيمُ المشاريعَ طويلةِ الأمدِ.

الفارق الجوهري بين المهجّرِ والمنقول قسراً والمستوطنِ أخلاقيّ، فالمهجّر يراعي أخلاقيات وعاداتِ المجتمع الذي احتواه وأمّنه وأنقذه من العراء. أما المستوطنُ فهو عدوانيّ تجاه المجتمعِ الذي انتقل إليه، ويحتكمُ إلى القوة، فيعملُ على فرض ثقافته وعاداته وتقاليده على المجتمع الذي انتقل إليه.

يرفض البعضُ استخدام كلمة مستوطن مرتبطةٌ مباشرةً بالاستيطانِ الإسرائيلي لفلسطين، الذي ارتبط مع عمل عصابات الهاجانا وشتيرن والأرغون وهي المجموعات المسلحة التي دخلت فلسطين وقتلت أصحابَ الأرضِ وأسكنتِ اليهودَ القادمين من أوروبا مكانهم، ولكنهم مازالوا يراوحون في مقامِ الاستنكارِ والتنديدِ. وفي عفرين اليوم مجموعاتٌ مسلحة تستقوي بالاحتلال التركيّ وحاربت معه وترفعُ شعارَ الدين وتقتلُ وتستولى على الممتلكاتِ بالقوةِ، وفيما لم يقتتلِ اليهودُ فيما بينهم، نجدهم يقتتلون حول تقاسمِ السرقاتِ وغنائمِ الغزو.

توصيفَ من انتقل إلى عفرين بالمستوطنِ، ليس مجردَ مطابقةِ بالواقع الفلسطينيّ، بل بالمعنى المباشرِ للكلمةِ، فالاستيطانُ فعلٌ عدوانيّ، لا يجوزُ إدانته إن ارتكبه يهوديّ وإجازته وقبوله إن ارتكبه مسلمٌ أو سوريّ، فالحكم متعلقُ بالسلوك، وبقولُ العربيّ: نحن لا نعادي اليهوديّ، بل نرفض سلوكه العدوانيّ، ترى ما الذي يحصلُ في عفرين؟ وماذا عن الانتهاكات بأنواعها والقتل بالرصاص وذبحاً وخنقاً.

عندما يعتدي أحدٌ على داري ويستولي عليها بالقوةِ لن أفكرَ بعقيدته، فهو معتدٍ ولو كان ذا قرابة. ولكن نماذجاً من المسلمين خرجت وجعلتِ اللهَ شريكاً في موبقاتِها وجرائمها فأساءت إلى كلِّ الأديانِ بفعلها.

في قرية قيبار بعفرين يتم بيع محاضر بمساحة ٤٠٠ م٢، وقبلها كان الحديثُ عن القريةِ الشاميةِ، فيما حكاياتُ الاستيلاءِ على البيوت بالقوة لا تُحصى وباتت تجارة رائجة. وأما حديثُ مظلوميةِ الخروجِ من الغوطة وحمص فلا تفوّضُ أحداً بالعدوانِ وارتكابِ جناياتِ القتلِ، كما في حادثةِ قتلِ رعاةِ الأغنامِ للمسن علي أحمد في ميدانكي بعد أربعة أيام من قتلِ المسنة فاطمة كنه.