عبثية أردوغان والصراع في الوقت الضائع

ياسر خلف (كاتب)-

يبدو أن النزاع المتصاعد في ساحة الشرق الأوسط بدأ يأخذ منحى جديد، فجميع أطراف هذا الصراع أصبحت في سباق مع الزمن، سواء عبر الصفقات والاتفاقات البينية، أو عبر زيادة الوتيرة والحملات العسكرية، هذا السباق المتزايد قد يأخذ مناح خطيرة وخاصة في ظل المرحلة الانتقالية التي تشهدها الولايات المتحدة الأمريكية، وعدم تمكن الاتحاد الأوروبي من الوصول إلى توافق واضح المعالم حول مجمل القضايا والإشكالات المتفاقمة في ساحات الشرق الأوسط. الأمر الذي يؤدي بأطراف الصراع إلى حبك مخططات وصفقات في كل مرة ستؤدي بالنتيجة إلى مزيد من المعاناة وتعميق الأزمة بشكل أكبر، وهذا ما بات واضحاً من تحركات الدولة التركية وترويجها للقيام بحملات عسكرية جديدة في كل من سوريا والعراق على غرار حملاتها العسكرية السابقة، رغم وجود اتفاقات مبرمة لوقف التصعيد العسكري مع الدول الضامنة في مناطق شمال وشرق سوريا، مع الأخذ بالحسبان أن هذه الحملات العسكرية لم تتوقف سواء عبر القصف اليومي على عين عيسى وريفي كري سبي وسري كانيه، وأيضاً على مناطق باشور كردستان (حفتانين وقنديل وشنكال وغيرها من المناطق الأخرى).

التهديدات التركية الهدف منها فرض واقع جديد

الحملات العسكرية التركية هدفها بالدرجة الأولى هو خلق واقع جديد لفرض سياستها واستباق أي إجراءات من الممكن أن تُفرض عليها من قبل أمريكا وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، بخاصة أن أجواء الدبلوماسية الدولية الراهنة ليست في صالح أدوغان وحكومته على الصعيد الداخلي والخارجي على حد سواء، وهو ما ينعكس بشكل جلي على سلوكه العدواني وخاصة تجاه الشعب الكردي وقضيته العادلة؛ لذا يسعى إلى تحشيد جميع أدواته لتهيئة الأجواء لتنفيذ مخططاته الاحتلالية التوسعية، وعلى الرغم مما أبداه أردوغان مؤخراً من لباقة دبلوماسية إبان ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية وخسارة دونالد ترامب المتناغم مع سياساته، إلا أنه سرعان ما انتكس وعاد إلى خطابه المعادي لمحيطه الإقليمي والدولي، وهذا التذبذب هو في حقيقة الأمر ينم عن احتمالين اثنين، وهما: أولاً، قد يكون هناك صفقة جديدة قد أبرمها أردوغان مع الجانب الروسي على وجه التحديد وتنازله عن بعض أوراقه وخاصة في القوقاز (إقليم ناغورني قرباغ) عبر انصياعه مرغماً على سحب مرتزقته منها، وهذا كان واضحاً من البيان الروسي الأمريكي الفرنسي المشترك بضرورة مغادرة المرتزقة بشكل كامل والذي دخل حيز التنفيذ، حيث بلغ عدد المرتزقة العائدين إلى الأراضي السورية ما يقارب خمسة آلاف مرتزق.

وهذا الأمر يجري بتنسيق روسي وكذلك تنازل أردوغان عن بعض المناطق الاستراتيجية في إدلب، مقابل ضوء أخضر روسي للسماح لمرتزقة اردوغان باحتلال مناطق من عين عيسى وريفي كري سبي وسري كانيه، وهذا الأمر واضح وضوح الشمس من خلال سكوت الروس وقوات النظام المتمركزة هناك. والأمر الثاني هو: قد يكون ثمةَ مخطط من قبل الروس للضغط على قوات سوريا الديمقراطية لتسليم مناطق عين عيسى كاملةً للنظام وهو ما كان مخطط له في اجتماعات سوتشي، والاجتماع الذي جرى في تركيا مؤخراً بين الطرفين وتعهد أردوغان بالابتعاد عن طريق  m4- و m5 حيث انسحبت تركيا فعلياً من عدة نقاط مراقبة «مورك» و«شير مغار» و«معر حطاط»، وكذلك دخول نقطتي «قبتان الجبل» و«الشيخ عقيل» في ريف حلب الشمالي الغربي و«الراشدين الجنوبية» جنوب غرب حلب على خط سحب النقاط.

أردوغان بين سياسة الصفقات واللعب على المتناقضات

أردوغان يعتقد أن الاشهر المتبقية لحكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد تكون فرصته الأخيرة للقيام بعملية عسكرية جديدة للسيطرة على مناطق في شمال وشرق سوريا، تلك المناطق الاستراتيجية بالنسبة له، وهذه الفرصة ربما لن تكون متاحة في عهد الإدارة الأمريكية المُقبلة برئاسة الرئيس الديمقراطي المنتخب جو بايدن، الذي أبدى مراراً رفضه لسياسات أردوغان في سوريا واليونان وقبرص وأرمينيا؛ فأردوغان الذي امتهن سياسة الصفقات والمقايضات واللعب على المتناقضات في الأزمة السورية؛ قد يعتقد أن مثل هذه العملية ستشكل منعطفاً لاستمالة الروس إلى جانبه إذا انتهج بايدن سياسة حازمة ضده، وهو هنا ينطلق من مسألتين الأولى: التنافس الروسي – الأمريكي من أجل السيطرة على مناطق شمال وشرق سوريا. أما الثانية: السعي الروسي لوضع هذه المناطق تحت سيطرة الحكومة السورية في دمشق بدلاً من الإدارة الذاتية هناك، ومثل هذا الأمر يبقى أكثر قبولاً لدى تركيا، كما أن الروس يدفعون بهذا الاتجاه وهم ماضون في سياساتهم الداعمة للنظام مع الأخذ بعين الاعتبار أن التوافق الإيراني التركي يصب في ذات الاتجاه ليس في شمال وشرق سوريا فحسب بل يتعداها إلى باشور كردستان والعراق أيضاً، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال الحملات العسكرية المشتركة على مناطق الدفاع المشروع في قنديل والزاب وحفتانين وصولاً إلى شنكال والموصل وكركوك، حيث يمكننا الجزم بأن تركيا هي التي دعمت الاتفاق المبرم بين الحزب الديمقراطي وحكومة العراق بشأن شنكال وخططت له، وإيران لم تكن بعيدة عن أجواء تلك الاتفاقية، وتصريحات المسؤولين الأتراك في الآونة الأخيرة تدل على ذلك، وهي تقول علناً عن دعمها لهذا الاتفاق وقد سبقه زيارة نجيرفان البرزاني لتركيا قبيل إبرام الاتفاق، متزامناً مع حملات إعلامية ممنهجة ضد حزب العمال الكردستاني، وتحريك لما يسمى ببشمركة روج بالتزامن مع حملاتها العسكرية على مناطق الدفاع المشروع وشنكال، وهذا المخطط هو في حقيقة الأمر استباق لأي تغيير في السياسة الدولية والتي تشير أغلب المراكز المختصة بشؤون الشرق الأوسط إلى أنها ستكون في منحى تحجيم الدور التركي ولجم السياسة الإيرانية في المنطقة.

فما يمكن قراءته من المشهد السياسي الذي ستشهده الساحة السورية في الشهور المقبلة، إغراق تركيا بسلسلة من العقوبات المتنوعة وأهمها الدبلوماسية والمالية والاقتصادية وحظر توريد الأسلحة، والتي يجب فرضها على تركيا بموجب مشروع الميزانية الجديدة للدفاع الأمريكية على خلفية أزمة شرائها منظومة الدفاع الصاروخي “إس ٤٠٠” الروسية.

وعلى الرئيس الأمريكي تنفيذها خلال ٣٠ يوماً من تاريخ دخول القانون حيز التنفيذ، وكذلك العقوبات المتوقع فرضها على تركيا من قبل الاتحاد الأوروبي في قمته المقررة في نهاية الشهر الجاري، بسبب تدخلاتها في عدد من الدول واستفزازاتها لأخرى؛ كل ذلك من شأنه لجم تركيا ووقف التطلعات التوسعية الأردوغانية في المنطقة والعالم، وإسدال الستار على المرحلة التي جعلت أردوغان يعبث بالأمن ويزعزع السلم والاستقرار في المنطقة والعالم.

الأيام والشهور القادمة حبلى بالمفاجآت

 وهناك حملة للأوروبيين بقيادة فرنسية لوضع حركة الإخوان المسلمين على قوائم الإرهاب العالمية، والوقوف على الاعمال والانتهاكات التي تقوم بها ما يسمى “الجيش الوطني السوري” الذي يشكل الذراع العسكري لتركيا ورئيسها اردوغان في سوريا والمنطقة، وهو ما يمكن ان يُستشف من التحركات الغربية الأخيرة، وكذلك التحرك والحرب التي أعلنتها كل من مصر ودول الخليج باستثناء قطر لاستئصالها عن المشهد العربي، والسعي العربي والأوروبي لإيجاد معارضة سورية بديلة عن الائتلاف الذي بات جزءاً من السياسة التركية المعادية لاستراتيجية الغرب في العالم والمنطقة، وقد تشهد مدن كالقاهرة والرياض جولات بهذا الصدد، وهناك تحركات لمنصة القاهرة المعارضة بهذا الخصوص، لعقد اجتماعات موسعة تضم جهات وأعضاء جدد سيتبعها دعوة لحكومة الرياض إلى اجتماع للمعارضة هناك ويتم الإعداد لهذا الاجتماع الهام.

إلزام قيادات الأنكسة بالانخراط في الحوار الكردي – الكردي مع إمكانية الاعتماد على القيادات في الداخل، وعلى القواعد الحزبية بتخييرهم بين الائتلاف الذي سيتم فضه وحله وبين الجسم الجديد للمعارضة الذي من المفترض أن يضم الطرفين الكرديين، وهنا يمكننا التأكيد أن التحركات الأخيرة لقيادات الأنكسة المرتبطين والمرتهنين للإرادة التركية ومحاولة الأخيرة إظهارهم إلى الواجهة كممثلين مفترضين “للكرد” تصب في هذا الاتجاه؛ فالزيارة الأخيرة لممثل الأنكسة لعفرين كانت لتشريع الاحتلال التركي، واتهام وحدات حماية الشعب بالإرهاب في اجتماع الائتلاف الأخير هي في حقيقة الأمر خطوة استباقية من المحتل التركي، لمنع حدوث أي توافق كردي وزجهم في حرب بينية خدمة لمصالحها وأجنداتها والتي كانت السبب في انشقاق الكثير مما يسمى ببشمركة روج مؤخراً عن هذا الجسم المصطنع لغايات ونوايا تركية خبيثة.

 وقد رفضت الكثير من عوائل البيشمركة داخل روج آفا استخدام أبنائهم كوقود لحروب اردوغان في المنطقة تماماً كما يستخدم المرتزقة السوريين لتحقيق مخططاته العثمانية؛ ويمكننا أن ننوه أيضاً إلى أن الضغوط ستزداد على النظام من خلال تقوية الوجود الأمريكي والأوروبي في شمال وشرق سوريا، وربما كانت دعوة وزير خارجية ألمانيا لأمريكا بتقوية الوجود الأمريكي الأوروبي في سوريا والزيارات التي جرت مؤخراً من قبل بعض الدول الأوروبية لمناطق الإدارة الذاتية؛ رسائل واضحة بهذا الاتجاه لدعم الإدارة الذاتية وإشراكها في جسم المعارضة البديلة عن الائتلاف، الذي سيفقد وظيفته حال سريان العقوبات وتنفيذها بحق النظام التركي والمتعاملين معه أو مع النظام مقابل شروط ستقوم أمريكا بفرضها على الإدارة الأمريكية المقبلة لصالح استراتيجيتها في المنطقة ومتفق أكثر مع التوجهات الغربية الأمريكية.