ضفاف المعرفة/ الكتاب : دائرة المعارف في النحو والصرف/ الكاتب : طارق علوان

عبدالرحمن محمد –

اللغة هوية ووجود، ومن أولى مقومات وضرورات التقدم والسمو الثقافي، وما من لغة حيّة إلا ويكون لها قواعد ونحو، ولا شك إنها تتميز عن اللغات الأخرى بنطقها ومخارج الصوت فيها وعدد الحروف وطريقة كتابتها، وكما تطورت البشرية عبر آلاف السنين فأن اللغة في تقدم مستمر، ولكل لغة من اللغات مراحل عدة مرّت بها، وتطورت من حيث شكل وطريقة كتابتها وفي قواعد النطق واللفظ والمحادثة، واللغة العربية التي تكنى بـ “لغة الضاد” من اللغات الحية والتي عُرِفت كذلك لأنها اللغة الوحيدة التي تحوي حرف الضاد.

تُعتبر اللغة العربية من اللغات واسعة الانتشار، كما أنها أكثرها قدرة على استيعاب وفهم المعاني الجليلة، ولأنها لغة القرآن فان الكثيرين سعوا إلى تعلمها للتمكن من قراءة القرآن بلغته الأصلية وكذلك للتعرف على الإسلام حيث انتشرت اللغة العربية بعد الفتوحات الإسلامية، وكانت لغة موازية للغات الأم ولغة الحديث الشريف والكثير من العلوم والآداب، وتطورت أكثر في العصر الأموي والعباسي والصليبي جراء البحوث والكتابة والتأليف والاختلاط  بالشعوب الاجنبية، وكذلك مر الخط العربي بمراحل عدة حتى وصل الى الشكل الذي نراه الآن وما زالت هناك عدة أشكال لكتابته ولا شك أن لسلسة الكتابة وشكل الحرف تأثيراً واسعاً على انتشار اللغة.

من الكتب القيّمة التي تناولت اللغة وكتابتها وقواعدها كتاب “دائرة المعارف في النحو والصرف والبلاغة والعروض” للكاتب المرحوم طارق علوان، والذي صدر عن دار الرضوان بدمشق وفيه يتناول الكاتب جوانب من النحو والصرف والبلاغة والعروض، وبعد مقدمة صغيرة يشرح فيها هدفة من تأليف الكتاب وغايته النبيلة التي تصب في خدمة اللغة والثقافة، وإن الكتاب موجز في علوم اللغة، سهل الأسلوب جليل المعاني داني القطوف، قريب المتناول، ثم يعرفنا بالمختصر بالنحو والصرف وبإيجاز: ” النحو: علم يبحث في ضبط الكلمة، والصرف: علم يبحث في بنية الكلمة وتقلباتها، وهذان العلمان متلازمان ويكمّل أحدهما الآخر، متفاعلان ليحفظا للعربية بهاءها وفصاحتها ورونقها”.

يمضي الكاتب بتأن إلى رحلة إبحاره في بحور الصرف والنحو، فيمرُّ على “الاسم” أولاً في تعريفه وعلاماته وأنواعه وعلامات إعرابه وحالاته، ثم يمرُّ في فصل آخر على المنصوبات وعلامات وحالات النصب ومنها: “المفعول به، المفعول لأجله، المفعول معه، المفعول فيه، المفعول المطلق ونائبه، الحال، المنادى، التمييز، ويبن علامة النصب وحالاته وأسبابها في كل حالة منها.

في فصل آخر يمرُّ بنا الكاتب على “الجملة” ويعرّفها: “الجملة قول مسند، ومسند إليه، وتقسم إلى نوعين الجملة الفعلية والجملة الاسمية، وتقسم من حيث إعرابها الى قسمين جمل لها محل من الإعراب وجملة لا محل لها من الإعراب”، ويبيّن ما هي تلك الجمل وحالاتها وإعرابها.

في باب البلاغة يحدثنا الكاتب عن معنى البلاغة وأهميتها ومقامها في الأدب عامة وفي الادب العربي بخاصة، وأقسام وتفرعات وجوانب البلاغة: “البلاغة من أجلِّ العلوم قدراً، وأدقها سراً، إذ بها تُعرف دقائق العربية وأسرارها، وليست البلاغة قبل كل شيء إلا فناً من الفنون يعتمد على صفاء الاستعداد الفطري، ودقة إدراك الجمال وتبيّن الفروق الخفية بين صنوف الأساليب، وعلم البلاغة ثلاثة علوم- علم البيان وعلم المعاني وعلم البديع”، ويعرج الكاتب على كل من العلوم السابقة على حدة ويتكلم عنها بشيء من التفصيل مستشهداً بالعديد من الأمثلة.

في القسم الأخير من الكتاب يُعرفنا الكاتب الأستاذ طارق علوان بعلم العروض وماهيته ومعناه: “العروض كلمة مؤنثة، متعددة الدلالات المعنوية، وهي مصطلح يعني ميزان الشعر العربي الذي نقيس به أموراً عدة اهمها، استِقامة الوزن الموسيقي للشعر للتمييز بين موزونه ومختله، ما يطرأ على وحداته الموسيقية من حذف وأصالة” ويبين أن الخليل بن أحمد الفراهيدي قد اعتمد لفظ “فَعَلَ” أساساً للميزان الصرفي بعد أن بحث ملياً في موسيقا ووقع الأبيات الشعرية  وقارنها بأصوات قرع المطارق في سوق النحاسين وأبدع بعلم العروض وبحوره، وبهذا الفصل يختتم الكاتب كتابه الذي جاء في مئة وأربعة وثمانين صفحة من القطع الكبير، معتمداً على العديد من المصادر القيمة، مضيفاً للمكتبة العربية وللقارئ والكاتب والطالب كتاباً بحثيا قيماً.

  والكاتب الفقيد طارق علوان من مواليد دير الزور عام 1946م، وحاصل على ماجستير في اللغة العربية، عمل مدرساً للغة العربية في دير الزور ودمشق ومن ثم سافر إلى السعودية ليعمل فيها مدرساً للغة العربية، عاد إلى سوريا وإلى التدريس، له ستة عشر عملاً أدبياً مطبوعاً في الشعر والنحو والإعراب وقواعد اللغة العربية، غادر دير الزور إلى حلب ومنها إلى قامشلو عام 2012م، وعمل في صحيفة روناهي كمدقق للغة العربية منذ عام 2015م، توفي في قامشلو في 8-9-2018.