صناعة صابون الغار ما تزال جزءاً من التراث الحلبي

صناعة صابون الغار المميز برائحته الزكية، ما تزال تشكل جزءا من التراث التقليدي الحلبي، ومن يزور حلب في أي وقت، فلا بد له من أن يصطحب معه قطعاً من صابون الغار المصنوعة بعناية فائقة، كما أن صانعي هذا الصابون متمسكون بإحياء هذه الصناعة التقليدية؛ لتبقى علامة مميزة لحلب.

 والسوريون حتى هذه اللحظة مازالوا يفضلون استخدام صابون الغار المصنوع في محافظة حلب في الاستحمام، وغسل اليدين لما يحتويه من مواد طبيعية، وعطور مميزة، وكان السائحون الأجانب قبل نشوب الأزمة يأخذون معهم كميات كبيرة من هذا الصابون إلى بلدانهم هدايا.

وبالرغم من الظروف الصعبة، التي مرت بها حلب، والدمار الذي لحق بالمعامل والأسواق الأثرية المهمة، إلا أن صناعة الصابون مازالت حية، والإنتاج لم يتوقف، وبعد زمن من الحرب عادت هذه الصناعة مرة أخرى إلى الظهور والتميز، والاستمرار، وراح يتفنن صانعوها في صفها، وتغليفها لتبدو جذابة لعين الناظرين.

ولكن القصة قد تبدو مختلفة هذه المرة؛ لأن الناس لم يبدؤوا فقط في إصلاح مصانعهم والعمل مرة أخرى، بل أن صناع وتجار زيت الزيتون والصابون راحوا يساندون بعضهم البعض في الوقوف على أقدامهم من جديد؛ لتكون حلب نموذجاً في التعاون وإحياء التراث من الصناعات التقليدية.

إنتاج جديد للغار بمهارة حلبية مميزة

فيما تحدث رئيس لجنة تصنيع صابون الغار في حلب هشام جبيلي لإحدى الوسائل الإعلامية؛ إن تصنيع صابون الغار بدأ يتعافى عاماً بعد عام بفضل تضامن تجار الصابون مع بعضهم. كما أضاف أنه خلال الحرب، خرجت معظم المعامل من الخدمة، واختار معظم المصنعين تصنيع كميات صغيرة من الصابون المصنوع يدوياً في منازلهم؛ للحفاظ على عملهم على قيد الحياة.

وفي أحد المصانع في المنطقة الصناعية بحلب، يشترك ثمانية من صانعي الصابون في مساحة واحدة؛ لتصنيع منتجاتهم حتى يتم إصلاح مصانعهم، وقد نجح هذا النهج حتى الآن في جلب الخير لجميع صانعي الصابون، الذين تضررت أعمالهم خلال الحرب.

في هذا المصنع يعمل العمال بشكل محموم، وبعضهم يقوم بخلط وطبخ زيت الزيتون وزيت الغار والصودا الكاوية في وعاء كبير قبل الإفراج عنه من خلال أنابيب إلى الطابق السفلي، حتى يجف وبعد ذلك يأتي غيرهم من العمال، ويقومون بتقطيع الصابون بشكل طولي ووضع ختم شعارات الشركات عليه يدويًا وتركها حتى تجف حتى تتمكن بعد ذلك من تخزينها في جزء آخر من المصنع.

ونوه الجبيلي: “عام بعد عام، بدأ تصنيع صابون الغار يستعيد عافيته، وفي العام الماضي حاول مصنعو الصابون، الذين تم الاهتداء إليهم بعدما تعطلت، وتضررت معاملهم، وبدؤوا يعملون في هذا المعلم ريثما يتم إصلاح معاملهم”.

وأشار إلى أن “هذا شيء إيجابي للغاية لأننا من جهة نساعد بعضنا البعض في تمكين صناعة صابون الغار”.

أما فيما يتعلق بأولئك، الذين يصنعون الصابون يدويًا، ليس ذلك منتجًا فحسب، بل كائنًا حيًا لأنهم ينشئونه بأيديهم، ويغذونه كطفل رضيع لأيام، وأسابيع وأشهر، حيث يستغرق صنع صابون الغار شهرين في الشتاء بعد حصاد زيت الزيتون، وبعد ذلك يتم حفظ الصابون للصيف، حتى يتحول لونه إلى اللون الأصفر، ليتم بعد ذلك تعبئته وتوزيعه.

كما إن الطقس البارد والجاف لحلب في فصل الشتاء والحارة والجافة في الصيف يجعلها المكان الأمثل لتصنيع الصابون، ولهذا السبب تشتهر حلب بهذه الصناعة.

تصدير صابون الغار

بما أن صابون الغار المصنع من زيت الزيتون، هو عنصر مهم جداً للتصدير، والحفاظ على جودته؛ فمن شأنه أن يساعد بالتأكيد التجار إلى تصدير أكثر؛ لتعزيز الوضع الاقتصادي؛ ولإعادة بناء مصانعهم ومساعدة المدينة على العودة إلى قدمها بعد سنوات من الحرب الطاحنة التي أضعفت هذه الصناعة الحلبية العريقة.

وأضاف جبيلي: “إن إنتاجنا في الوقت الحاضر هو بالجودة نفسها، التي كانت عليها، ويمكن أن تكون الأفضل؛ لأن أعمال صابون الغار تساعدنا على تمكين الاقتصاد، وأعمالنا من خلال التصدير، لذلك نحن نعمل بجد لجعله أفضل جودة من التي كانت قبل الحرب، والجميع يحاول، ويريد صنع صابون عالي الجودة؛ ليتمكن من التصدير، وجلب العملة الأجنبية، وإعادة بناء مصانع المدينة”.

وفي نهاية حديثه تحدث الجبيلي عن عالمية سوق الصابون الغار، إن دول أوروبية وأخرى آسيوية لديها مطالب لهذا النوع من الصابون، مشيراً إلى أن الصادرات تأثرت خلال الحرب، و “الآن نحن نعود بأيد ثابتة وقوية”.