صاعقة الجزيرة.. عمليات استباقية وإفشال مخططات تخريبيّة

عزيز سليمان_

 إن التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية كانت الحدث الأبرز في العالم، بدءاً من أزمة الغذاء العالمي، والنفط والغاز مروراً بالعمليات العسكرية الروسيّة في أوكرانيا، والأزمة المستمرة في سوريا، وتشابك المصالح الدوليّة.

رأينا ما حدث في الآونة الأخيرة من التقارب بين المحتل التركي ونظام دمشق، ولقاء وزراء الدفاع والاستخبارات بين روسيا وتركيا ودمشق لبداية التطبيع، برعاية روسيا وانعكاسها على الحل السوري السياسي، والتهويل الإعلامي لهذه اللقاءات، التي تخدم مصالح تركيا وموقعها الجيوسياسي، وخاصةً أزمة اللاجئين وترك المعارضة لمصير مجهول.

 لعبة أردوغان تأتي قبل الانتخابات واستماتته للفوز بولاية جديدة، وتضييق الخناق على الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وبالتالي تعويم نظام دمشق المتهالك اقتصادياً، بعد أن رفضت الولايات المتحدة الأمريكية علناً هذا التقارب، مما شجّع داعش على التحرك من جديد، عبر الخلايا النائمة، والانتعاش والظهور للبدء بعمليات في المنطقة، والتنسيق مع  بعض المرتبطين بنظام دمشق، الذين حاولوا بث الإشاعات والفتن بين شعوب شمال وشرق سوريا، فكانت عملية صاعقة الجزيرة عملية استباقية، وكشف منابع الإرهاب، لإفشال مخططات هذه الأنظمة الاستبدادية وكان للأهالي في هذه القرى الدور البارز لمساندة القوات المشتركة في العملية والتي تكللت بالنجاح.

 رغم أنه كان المقرر لصاعقة الجزيرة أن تنطلق في تشرين الثاني الماضي، وإرجاء انطلاقها بسبب التهديدات والهجمات التركيّة على المنطقة، إلا أنها كانت ضربة موجعة وقاصمة لظهر الإرهاب، حيث أنها حيّدت الكثير من العمليات الإرهابية التي كان مُخططاً لها أن تتم في أوقات محددة كانت قريبة، بعد أن استفادت خلايا داعش من الظروف الاستثنائية لانشغال القوى الأمنية بالعدوان التركي وتهديداته، وكذلك استفادت هذه الخلايا من الظروف الإنسانية التي توفرها الإدارة الذاتية للنازحين واللاجئين، ما حدا بقوات سوريا الديمقراطية بإطلاق العملية تحت اسم “صاعقة الجزيرة” في التاسع والعشرين من كانون الأول المنصرم وبمشاركة قوى الأمن الداخلي لشمال وشرق سوريا والتحالف الدولي ضد داعش لملاحقة خلايا مرتزقة داعش الإرهابي المتخفيّة في المناطق الصحراوية والمناطق السكنية ومزارع المدنيين بأسماء حركية وهمية، واستمرت العملية ثمانية أيام واستهدفت تمشيط 55 قرية ومزرعة في الهول، تل حميس وتل براك، إضافة إلى بعض الأهداف المُركزة في البلدات الثلاث وكذلك مساحات واسعة من الحدود السوريّة – العراقية، وحققت العديد من النتائج الملموسة، وفيما يلي حقائق العملية:

استغل داعش الإرهابي الهجمات الأخيرة التي منحته مساحة من الدعم، وحاول تعزيز قدرته في التحرّك في المناطق الصحراوية القريبة من الحدود السورية – العراقية والتمركز في المناطق السكنية وبشكلٍ خاص في الهول وتل حميس وتل براك، حيث تمّ تجهيز العديد من الآليات المفخخة وتخزين الأسلحة والذخيرة في سياق التحضير للعمليات الإرهابية المحتملة، حيث ضبطت الحملة خلال الفترة الماضية كميات كبيرة منها، وأفشلت العديد من الهجمات التي كان انطلاقها من تلك المناطق.

الأمر الهام الآخر إن خلايا داعش الإرهابي كان قد جهز آليات مفخخة في سياق الهجوم على سجن الصناعة في كانون الثاني 2022، وتم معرفة معلومات مؤكدةً عن أمكنة بعض ممن شاركوا بذلك الهجوم، وألقت قوات عملية صاعقة الجزيرة القبض على ثلاثة مرتزقة شاركوا في تأمين الدعم اللوجستي وتجهيز الآليات المفخخة في أحداث سجن الصناعة، وكانوا يتخذون من الهول وتل حميس مخبأُ لهم.

أما الأهمية الأخرى للعملية فجاءت كردٍ استباقي وعملية مفاجئة، لما خططت له خلايا داعش للقيام بهجمات عدة كانت ستستهدف مناطق قامشلو والحسكة خلال احتفالات الأهالي بأعياد الميلاد وعيد رأس السنة، وألقت القبض على المخططين لها، وجرت الاحتفالات في وضع آمن وسليم بشكلٍ كبير، كما أن العملية أوقعت العديد من المُخربين، ومنفذي الاغتيالات وعمليات السلب والخطف بأيدي القوات المُشاركة، وكانت العملية بمثابة بتر لأيادي البعض ممن كانوا يعملون في الخفاء لتشوية صورة الإدارة الذاتية وتلفيق أخبار كاذبة وشبكات لتجنيد الصغار لجهات معادية وخارجية.

أما فيما يخص سير ونتائج العملية التي تكشف مدى الضرورة التي حدت بالجهات المعنية للقيام بها، وفور انطلاق العملية وفي عدّة محاور تم اعتقال العناصر المطلوبة الخطرة لداعش الإرهابي، والذين كانوا قد شاركوا في هجمات عديدة وكذلك عدد من الأشخاص الذين قاموا بتسيير العميات الإرهابية، والقيام بحملات تمشيط للقرى والمناطق، كما دمرت القوّات الكثير من النقاط والأوكار التي خصصها خلايا التنظيم لإخفاء تحركات عناصره وأسلحته، وضبطت كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، وكذلك أوراق ثبوتية وألبسة عسكرية غير مُصرح بها، كانت خلايا التنظيم الإرهابي تستخدمها في التخفي والتمويه، وشملت العملية منطقة واسعة من الحدود السوريّة – العراقية، ومشّطت أجزاء كبيرة منه جنوب وشرق بلدة الهول بحثاً عن أوكار محتملة لخلايا داعش الإرهابي.

خلال عمليات التمشيط ومداهمة الأوكار الإرهابية أُلقي القبض على 154 عنصراً مطلوباً للقضاء شاركوا في تخطيط وتنفيذ العمليات الإرهابية وكذلك عناصر قاموا بتسيير عمليات إرهابية وآخرين ارتكبوا أعمال إجرامية مختلفة بحقّ الأهالي، وتوزعت وفق ما يلي:

أ‌- عدد عناصر خلايا مرتزقة داعش الإرهابي والمشتبه بهم الذين أُلقي القبض عليهم: 102 عنصراً، من ضمنهم ثلاثة مرتزقة شاركوا في إعداد وإيصال العربات المفخخة إلى خلايا التنظيم ممن هاجموا سجن الصناعة في كانون الثاني 2022.

ب‌- عدد الأشخاص الذين تورطوا في توفير الدعم لخلايا داعش الإرهابي بما فيها الدعم اللوجستي والدعائي: 27 شخصاً.

ت‌- عدد الأشخاص الذين تورطوا في أعمال إجرامية ضد الأهالي بما فيها حالات النهب والاختطاف والابتزاز المالي: 25 شخصاً.

القوّات المشتركة في عملية صاعقة الجزيرة، وفي بيانات لها أشارت إلى مواقف الأهالي في مناطق تل حميس وتل براك والهول الذين قدّموا الدعم والمساندة اللازمة لها، وكذلك وجهاء وشيوخ العشائر الذين رفعوا صوتهم بوجه عبث خلايا داعش الإرهابية، وساندوا في كافة مراحل العملية، مشيرةً إلى التعاون المثمر والوعي الفكري لدى سكان المنطقة في مقاومة الفكر المتطرف والإرهاب الذي يستهدف التكاتف الجماهيري وأخوّة الشعوب.

 في الأوقات العصيبة والمرحلة الاستثنائية التي تمر بها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، تبقى مسألة توفير الأمن والأمان من أولى وأهم المتطلبات، وهكذا ومع الاستعداد التام لمقاومة وصد أي عدوان وهجوم محتمل من المحتل التركي، كانت العملية الأبرز لملاحقة الإرهاب، حيث وجِد لتتكامل الجهود في الدفاع عن الثوابت والوجود وتوفير الأمن والأمان لشعوب المنطقة.ش