الشهباء/ فريدة عمر –
لن تتمكن عوائق ومعاناة التهجير، أن تقف أمام شغف وتعلق الأم العفرينية حورية بالزراعة، فحولت مقدمة منزلها مشتلاً صغيراً لإعالة أولادها، وتستعيد ذكرياتها في مشتلها، الذي بقي في مدينتها المحتلة.
طالما عُرفت مدينة عفرين، بطبيعتها الخلابة، وبجمال أشجارها وأزهارها، ولعل أكثرها شجرة الزيتون، التي يعدُّها العفرينيون رمزاً للسلام، ومصدراً للعطاء والخير. فمن المؤكد أن يكون سكانها متعلقين إلى حد الشغف والارتباط بالزراعة، واعتماد مبدأ الاكتفاء الذاتي، والتعب لسد حاجاتهم وتأمين لقمة عيشهم، وهذه المشاهد واضحة في مخيمات النزوح، والمنازل الشبه المدمرة، التي حولها مهجرو عفرين بعد تهجيرهم قسراً إليها، من رماد الحرب إلى جنة صغيرة، أعادت إليها الروح والحياة.
ومن بينهم، الأم العفرينية “حورية محمد“، التي تعيش في ناحية الأحداث بمقاطعة الشهباء، وهي مثال للأمهات القويات، واللواتي يحولن مصاعب الحياة إلى إرادة وانطلاقة جديدة.
وأبت أن تقف مكتوفة الأيدي، وتستسلم للظروف والمعاناة، فبإرادتها وإصرارها، قررت إنشاء مشتل زراعي صغير، تعيل بها نفسها وأولادها، وتستعيد شغفها بالزراعة، لتتنزين مشتلها بالورود الملونة، وأنواع الأشجار المختلفة من الزيتون والسرو والجوز والتين وجميع أنواع الفاكهة.
التعلق والشغف بالزراعة
وحول ذلك، وخلال زيارة صحيفتنا “روناهي”، مشتل الأم حورية، تطرقت حورية بداية عن حبها للزراعة، وعن مشتلها الصغير، الذي تركته في قريتها “كفر صفرة” في عفرين المحتلة وقالت: “إنَ حبي وتعلقي بالزراعة، دفعني لأن أبدأ العمل ضمن هذا المجال، ففكرة المشتل الزراعي طرحته على أولادي حينما كنا في قريتنا في عفرين، وعملنا به لعدة سنوات، إلا أنَّ الحظ لم يحالفنا، فتركنا بيتنا وقريتنا، وذاك المشتل الصغير الذي بنيته”.
وأضافت عن معاناتهم في ظروف التهجير القسري: “اعتدنا، نحن العفرينيين، على التعب، وأن نؤمن لقمة خبزنا من عرق الجبين، فلن نقبل أن نشتري الخضار، كنا نزرع ونصنع كل شيء بأيدينا، حتى الأشجار نزرعها لنأكل نحن وأولادنا من خيراتها، لكن بعد التهجير القسري، تركنا كل شيء، وأتينا لنعيش في مدينة شبه مدمرة أهلكتها الحروب كمدينتنا، ولم يبقَ فيها شيء حي”.
إصرار وعزيمة امرأة
لكن الأم حورية، لم تقبل الاستسلام للظروف، وعن إصرارها في إنشاء مشتل صغير قالت: “بعد أن تركنا كل شيء، لم يعد لدينا دخل، نسد به حاجة أسرتنا، فطرحت فكرة أن ننشأ مشتلاً صغيراً هنا مع أولادي، وقلت لهم: إن الوقوف مكتوفي الأيدي ليس حلاً لنا، علينا أن نكون بإصرار وعزيمة، وأن نسترجع قوتنا وشغفنا بالزراعة، وعليه بدأنا إنشاء هذا المشتل الصغير أمام منزلنا. وبرغم كبر سني، وبعض الأمراض، التي أعاني منها إلا أنني استمر بالعمل به، فهو مصدر الرزق لي ولعائلتي”.
“سنزرع بدل كل شجرة تقطع ألفاً”
وعما يفعله المحتل التركي ومرتزقته في عفرين المحتلة، من جرائم ضد الطبيعية وقطع الأشجار، قالت “حورية محمد” في ختام حديثها: “يرتكب المحتل التركي يومياً جرائم إبادة في مدينتنا، ويقطع بشكل يومي مئات الأشجار، فنحن نصر على زراعة غرسات الزيتون، لتكبر ونزرعها مجدداً في مدينتنا، التي شوَّه المحتل التركي ومرتزقته جمالها ومعالمها، ونجدد العهد كل يوم بالنضال حتى التحرير والعودة، فالأمل أعظم من الانتصار، ونحن لم نفقد الأمل يوماً”.
