سليمان الحلبي العفريني

رجائي فايد-

ما من شك في أن تواصلاً تاريخياً بين مصر وكردستان، وأصبح من نافلة القوم ذكر أسماء كردية لعبت تاريخاً مثمراً في مصر، ولعب كل منهم دوراً مشهوداً في النهضة المصرية الحديثة، وكذلك مصر فقد كان لها نصيب وافر من نهضة المنطقة ومنها كردستان، ولكن مما يؤسف له أن كافة الأسماء الكردية التي تذكر لا يرد فيها اسم بطلنا صاحب العنوان أعلاه، ففي ظني أن ما بذله هذا البطل تتضاءل إلى جواره كافة الأسماء الأخرى.

 لقد أرسله والده إلى القاهرة، كي ينال من علوم الأزهر الشريف، إلا أنه بعد أن شاهد وعايش ما حدث لمصر على يد المحتل، غيّر وجهته التي أرسل إليها، فقد رأى شيخه وأستاذه الشيخ أحمد الشرقاوي يُذبح أمام عينيه، بل رأى مصر تنتهك أعراضها ويذبح رجالها، رأى دك الأزهر الشريف بالمدافع، ودماء شيوخه القتلى تجرى أنهاراً في صحن الأزهر، بعد تدنيسه بسنابك الخيل، ومن بقى منهم حياً ألقى عليهم العلم الفرنسي، وأمرهم قائد الاحتلال ليتعمموا به استمتاعاً بإذلالهم، هنا دخل في يقين بطلنا الانتقام ممن أمر بفعل كل تلك الفظائع في مصر وشعبها، إنه وهو في ربيع عمره يشكل علامة بارزة في التاريخ المصري الحديث، بل في مجال مقاومة الأجنبي المحتل، ورغم أن هناك شارع في وسط القاهرة يحمل اسمه، إلا أنه لم يجد ما يستحقه من ذكر، على أساس ما قدمه فداء لمصر، فقد كان صاحب الفضل الأول في التعجيل بنهاية الاحتلال الفرنسي لمصر، إنه البطل سليمان الحلبي العفريني، الذى ينتمى إلى قرية كوكان فوقاني، شارعه في القاهرة يمر منه الآلاف كل يوم، لكن من ذا الذي يعلم أن صاحب هذا الشارع، هو كردي ومن كرد سوريا، وأنه يشكل أيقونة بارزة (يجب أن تكون متميزة)، في العقد الفريد الذي تطرزه أسماء كل من أسهم في نهضة مصر من الكرد، لقد ضحى بحياته من أجل أن يسهم بتخليص مصر من الاحتلال الفرنسي لها، ضحى بنفسه وهو لم يتجاوز الأربعة وعشرين ربيعاً، كي ينتقم لأشقائه أبناء شعب مصر مما فعله الاحتلال الأجنبي من جرائم بهذا الشعب، ثأر من قائد الحملة الفرنسية الجنرال كليبر (خليفة نابليون بونابرت).

 وعن واقعة مصرع ساري عسكر الفرنساوية (هكذا كان يطلق المصريون عليها)، يقول المؤرخ الكبير عبد الرحمن الجبرتي (دخل شخص حلبي في حاجة، فدنا من ساري عسكر ومدَّ يده اليسرى كأنه يريد تقبيل يده، ومد كليبر يده ليقبلها، فأمسك بيده، وضربه بخنجر كان يخفيه في ملابسه أربع ضربات)، وأمسكوا بالحلبي العفريني، فقاموا بحرق اليد التي طعن بها كليبر، ثم تم إعدامه بأبشع طريقه على الخازوق (تعلموها من العثمانيين)، ونقلوا جمجمته إلى متحف الإنسان والطبيعة في قصر شابو في باريس لتبقى فيه حتى الآن.

 هذا ما فعله سليمان الحلبي العفريني من أجل مصر، ومصر معروف عنها الوفاء، لذلك فقد آن الأوان رد الجميل، فعفرين تطالبنا نحن شعب مصر أن نمد يدنا إليها، فعفرين جريحة، وواجب على أشقائها أن يساعدوها في التخلص من الاحتلال التركي الجاثم على أنفاسها، كي تعود إلى أحضان الوطن.

 أما البطل الكردي العفريني سليمان، علينا أن ندعو إلى حملة تطالب بإعادة رفاته إلينا، ليدفن ويكرم على أرض مصر التي بذل حياته من أجلها، ويقام عليه نصب تذكاري كأهم رمز للعلاقات التاريخية بين مصر والكرد.