الشدادي/ حسام دخيل ـ
يتحسّر السوريون على بعض الطقوس، التي كانوا يمارسونها في الشهر الفضيل؛ نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، والسورية بشكل خاص، لتكون السكبة الرمضانية إحدى تلك الطقوس، فاقتصرت دعوات المواطنين على إنهاء الحرب، وعلى العيش باستقرار في مناحي الحياة كلها.
رمضان بتفاصيله كلها، هذا العام يختلف عن سابقه من الأعوام، فلا التجهيزات تشبه التجهيزات، ولا الطقوس السابقة تماثل الطقوس الحالية، فالغلاء والأزمة المعيشية، وارتفاع الأسعار، عكّر صفو شهر الرحمة، وأجبر الأهالي على التخلّي عن العديد من الطقوس الخاصة بشهر رمضان؛ لتصبح في عداد الذاكرة، يحنون إليها بشيء من الحسرة، بعد الحال الذي وصل إليها السوريون.
ومن الطقوس التي كانت تميز رمضانات السوريين، السكبة الرمضانية، أو تبادل أطباق الطعام مع الجيران في عادة ينفرد بها الشعب السوري، وتميزه عن دول الجوار.
بدأ الطقس الرمضاني بالتلاشي منذ نشوء الحرب في سوريا مطلع عام 2011، والتي نتجت عنها أزمة اقتصادية كغيرها من الأزمات، وأدى ذلك إلى تردي الأوضاع المعيشية للأهالي، وحالات التهجير، والنزوح التي تعرضت لها معظم المدن السورية، فيما اقتصرت ممارسة الطقس الرمضاني طيلة سنين الحرب على بعـض المجتمعات الريفية، لتبدأ بالاندثار بشكل شبة نهائي مع سقوط الاقتصاد السوري في الهاوية.
زوال اللوحة الفنية
المرأة الخمسينية نورة المحمد، تستذكر بشيء من الحسرة بعـض الطقوس الرمضانية، التي فقدها المجتمع السوري: “كنا في السابق نبدأ التجهيزات للشهر الفضيل منذ النصف من شعبان، نجهز المؤن، والذبائح، فكان من المتعارف في أيام الزمن الجميل، وعند قدوم شهر رمضان، تبدأ الولائم على وجبة الإفطار، فكان من النادر أن يفطر الأهالي، وبخاصة الرجال، في منازلهم، حيث الولائم تبدأ في أول رمضان، ولا تنتهي إلا في أيام عيد الفطر”.
وتضيف “كان شهر رمضان مميزاً بكل بتفاصيله كلها، فقد كانت النساء تحضر الطعام بكميات كبيرة، ليتم تبادل الطعام مع الجيران، أو ما يعرف بـ”السكبة”، وكانت تبدو السفرة الرمضانية كلوحة فنية، بسبب كثرة الأطباق فيها، حيث كانت الأطباق تصل من سابع جار”.
ولفتت إلى إنه لم يعد بمقدورها توفير متطلبات الشهر الكريم، وشراء المواد الأساسية والغذائية، مشيرة إلى أن أطعمة كثيرة ستغيب عن مائدة إفطار، وعن سحور هذا الشهر الكريم، لتتأسّف بأنها غير قادرة على استقبال من تحب على مائدة إفطار أول يوم صيام في رمضان، وهي عادة درجت عليها سابقاً منذ سنين لا حصر لها، مؤكدة بأن معظم الناس يتشاركون هذا الواقع الاقتصادي السيئ، داعية بأن يكون شهر رمضان شهر البركة، والخير وفاتحة خير على السوريين كلهم.
نظرة خجولة للواقع
فيما تقول المرأة الأربعينية: “الصفة التي لازمت شهر رمضان هي الكرم، ونتجت هذه الصفة من كثرة الخيرات في الشهر الفضيل، فالعوائل كانت لا تحتار بوجبة الإفطار”.
وترى نوفة الخليف أن نظرة الناس إلى “السكبة” بات يكسوها نوعٌ من الخجل، فتراجع الأمر لأنه لم يعد بالإمكان طهي طعام فاخر يومياً، فباتت الأكلات الشعبية أكثر انتشاراً، فتضطر العائلة خجلاً ألا ترسل لجيرانها كونها “أكلة مو على قد المقام”.
تدهور الاقتصاد العالمي في السنوات الأخيرة، أثرّ على دول العالم، ولا سيما سوريا، التي لازالت تعيش الحرب منذ أحد عشر عاماً، لتبقى دعوات المواطنين، وآمالهم منحصرة باستقرار عام، ولا سيما الاقتصادي.
