سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

زوزان ودشت.. تاريخ محفور في أفئدة الكوجر

كركي لكي/ غاندي إسكندرـ

بعيداً عن زحمة المدينة وضوضائها، ومع نسمات الفجر وتعالي صياح الديك يستفيق محمد صوفي وزوجته خديجة حاجي البالغان من العمر سبعين عاما، ليتشاركوا العمل اليومي سوياً محافظين على ثقافتهم الكوجرية.
قبل اكتمال شروق الشمس تعد خديجة سفرة الفطور لزوجها، ليبدأ بعدها العمل اليومي المشترك “رعي الأغنام”، المهنة التي أضحت جزءاً أصيلاً من حياة “الكوجر” والتي باتت، تركها تماشياً مع الحياة المدنية، أمراً عصياً على محمد صوفي، وزوجته فالتشبث بالعادات المتوارثة عن الأجداد يضفي الحيوية والحركة على ما تبقى من العمر.
حكاية الحلّ والترحال
في زيارة قامت بها صحيفتنا “روناهي” إلى قرية “سويديا محما عليا” التي تبعد عن كركي لكي 26كم، القرية الكوجرية، التي تقع على سهل منبسط، والمعروفة لدى أهل المنطقة بمهد الثقافة الكوجرية، حيث بساطة العيش والقيم المستمدة من حكايات الحل والترحال، التقينا بمحمد صوفي، وزوجته خديجة حاجي، اللذين تحدثا لنا عن أهم ما يميز حياة الكوجر، حيث قال صوفي “الكوجر هي قبيلة تمتهن الرعي منذ غابر الأزمان، وتعني كلمة كوجر (المتنقلون من مكان إلى آخر بحثا عن الكلأ) والكوجرات، اسم يطلق على قرى الكوجر، التي تمتد من سفح جبل قرجوخ الجنوبي، إلى حدود باشور كردستان”. ويتابع محمد صوفي، الذي تجاوز عتبة السبعين من عمره “على الرغم من استقرار الكوجر، واندماجهم مع الحياة المدنية، ولاسيما بعد انقطاع التواصل بين باكور كردستان، وروج آفا نتيجة اتفاقية سايكس بيكو، غير إن الكوجر لم ينفصلوا عن رعي الأغنام، كي لا يهتز المبنى الاجتماعي التقليدي، الذي جُبل منه الإنسان الكوجري”.
موضحا تمسكهم بالثقافة الكوجرية، التي ورثوها من الأجداد، بأنه منذ إن كان طفلا إلى يومنا هذا، يربي الأغنام والمواشي، ويكمل حديثه راوياً عن أبيه وجده، اللذين عاشا في كنف إمارة بوطان “كنا دائمي الترحال بحثاً عن السهول الفسيحة، والمروج الخضراء، التي تكون غذاء الأغنام، ففي الصيف تبدأ الرحلة من بوطان إلى زوزان هركول، وصولاً إلى بحيرة وان حيث الرعي الوفير، والينابيع العذبة، وفي الربيع نستقر في الأرض المنبسطة المسماة (دشت)، والتي تمتد من جزيرة بوطان وصولاً إلى شنكال”.
ونوه صوفي “أن مناطق زوزان هركول بطبيعتها الخلابة، والسهول الخيرة، ما بين جودي، وكابار، وجبل شنكال (دشت)، هو تاريخ محفور في أفئدة الكوجر”.
جوهر المجتمع الكوجري
 ويصف محمد صوفي المجتمع الكوجري، بأنه جوهر المجتمع الكردي، بما يمثلونه من جمال الروح، والطيبة وحسن الضيافة، وحب التضحية، وإغاثة الملهوف، مشيراً إلى أن الحفاظ على الأعراف والعادات والتقاليد والقواعد والقيم العشائرية، ماتزال ذات أهمية لدى المجتمع الكوجري، وأن مجموعة القيم الموروثة عن الأجداد تساعد على تماسك، وحفظ النظام الاجتماعي للمجتمع، وأعطى مثالاً على ذلك “على سبيل المثال ماتزال المضافة العشائرية (كوجك) مكاناً لاتخاذ القرارات المصيرية للعشيرة، حيث يتم الصلح فيها، إن حدثت مشكلة بين عائلتين أو بين العشيرة، وعشيرة أخرى، والملتجئ إليها يشعر بالأمن والطمأنينة في ضيافة صاحب المضافة إلى أن تُحل مشكلته، وهي موجودة في كل قرى الكوجر، ولها دور هام في تحقيق السلم المجتمعي”.
حياة تشاركية ممزوجة بالبهجة والرضا
وبدرها تحدثت خديجة حاجي عن حياتها في ظل المجتمع الكوجري “منذ ارتباطي بالحاج محمد صوفي، منذ 55 سنة ومع أنفاس الصباح الأولى، قبل شروق الشمس أقوم بإعداد سفرة الفطور، لأبدأ بعدها عملي اليومي ومهمتي المحصورة في رعاية الأغنام، من حيث الإطعام والتحضير، للحلب وصنع اللبن، والجبن والسمن العربي”، ملفتة إلى أنها كأي امرأه ريفية كوجرية، لم تنقطع عن تربية المواشي منذ نعومة أظفارها، وهو روتين يومي مليء بالحيوية والنشاط، والحياة التشاركية مع الزوج مؤكدة بقولها “لا أتخيل اليوم الذي سأعيش فيه دون أن أسمع ثغاء الماعز، ومأمأة الخراف، وصياح الديكة، فحياتي متعلقة بهذه التفاصيل وسعادتي مرتبطة بها”.
ومن الأمور التي يتميز بها المجتمع الرعوي الكوجري، كما بينته خديجة هو “أن الرجال هم الذين يحلبون الأغنام، والنساء يساعدنهم في تهدئة الحيوان”.
نسق من البساطة والبهجة والرضا، وقصة عشق لمهنة الرعي المتوارثة عن أسلافهم، وحرص على صون العادات والتقاليد بعيدا عن متاهات الحياة، في ظل الغزو التكنولوجي، هي ما يميز الحياة الكوجرية.