قامشلو/ دلير حسن ـ
بعد ثورة روج آفا عام 2012، لم يبقَ مكان للغة واحدة وشعب واحد كما كان في السابق، بل باتت كل الشعوب والأديان والأطياف بتآخيها ترسم لوحة جميلة سويّاً، وفي مجال الرياضة التي كانت تُستغَل أيضاً من حكومة دمشق لزرع الفتن بين شعوب المنطقة، وتنفذ مخططاتها ضد الشعب الكردي، اليوم بتآلفها هذه الشعوب تنتصر بروح شهداء “انتفاضة قامشلو انتفاضة 12 آذار”.
ومع تسلّم حزب البعث العربي زمام السلطة في سوريا، ومنذ عقود يلعب بشكلٍ دائم هذا الحزب على الوتر الطائفي، حيث كان يحاول دائماً زرع الفتن بين الشعوب المختلفة في سوريا، وحاول دائماً إظهار أن سوريا هي بلد لشعب واحد أي الشعب العربي، ولها لغة واحدة وهي العربية.
في عام 2003، سقط نظام حزب البعث بقيادة صدام حسين في العراق على يد القوات الأمريكية ودول أخرى، وحقق الشعب الكردي مكسباً كبيراً بقيام إقليم فيدرالي “إقليم كردستان”، وخوفاً من أن يطالب الشعب الكردي في سوريا بالفيدرالية على غرار إخوتهم في باشور كردستان، بدأت حكومة دمشق في عام 2004 بحياكة مؤامرة، وكانت باستغلال مباراة تجمع بين رجال نادي الجهاد من مدينة قامشلو ورجال نادي الفتوة من دير الزور في الملعب البلدي، المعروف بذلك الاسم وقتها، والمُسمى في الاتحاد الرياضي السوري التابع لحكومة دمشق على الأوراق بملعب السابع من نيسان، أي وهو يوم ذكرى ميلاد حزب البعث العربي الاشتراكي، وبعد ثورة روج آفا تم تسمية الملعب باسم “شهداء 12 آذار”.
وعليه تم جلب جلاوزة البعث من دير الزور وأرياف العديد من المدن في الجزيرة السوريّة وقتها، وجاءوا بسيارات وجابوا شوارع قامشلو وبهتافات تُحيّي البعث والنظام العراقي البائد وتمجيد صدام حسين الرئيس العراقي الذي أُعدم بتهمة ارتكاب مجازر بحق أبناء الشعوب في العراق، ومنهم عشرات الآلاف من أبناء الشعب الكردي هناك، وقاموا بسب وشتم الرموز الكردية، وكان ذلك دلالة واضحة لمؤامرة تُحاك من قبل حكومة دمشق، وخاصةً أنه كان دائماً على خلاف مع نظام صدام حسين، فلماذا تُرِكوا يهتفون بحياته في قلب مدينة قامشلو وعلى مرمى ومسمع رجال الأمن التابعين لحكومة دمشق؟.
آذار جديد فاحت مِنهُ رائحة الدماء
عُرف نادي الجهاد بتعرّضه للظلم على مرِّ عقود من قبل الاتحاد “العربي” السوري لكرة القدم، وخاصةً من جهة التحكيم، بالإضافة إلى قلة تقديم الدعم، وسيطرة شعبة حزب البعث بقامشلو على كل مفاصل النادي، حيث فكر النظام في استغلال مباراة الجهاد والفتوة بين الناديين في الدوري السوري، وجلب مرتزقة من البعثيين من أبناء دير الزور، ومناطق من الجزيرة السوريّة، وبالطبع كان هناك هدف لحكومة دمشق، وهو ضرب الشعبين العربي والكردي بعضهم ببعض.
ويوم المباراة وقبل انطلاقتها بساعات بدأت الجماهير القادمة من دير الزور برفقة آخرين من المدن والأرياف في الجزيرة، بالتجوال في الشوارع بقامشلو، رافعين صور صدام حسين رئيس النظام العراقي البائد، وذلك على مرمى من أعين رجال الأمن التابعين لحكومة دمشق، ويرددون شعارات فيها سب وشتم للرموز الكردية، مما أثار حفيظة الكرد في المدينة كما ذُكر آنفاً.
وعند دخول هذه الجماهير القادمة للملعب قبل المباراة بساعة، لم يتم تفتيش أي شخص منهم ليدخلوا معهم الأسلحة البيضاء والحجارة والعصي، عكس جماهير نادي الجهاد فقد أُخذت منهم حتى القداحات لإشعال السجائر، وقبل المباراة بحوالي نصف ساعة، بدأت تلك الجماهير بسب وشتم جماهير نادي الجهاد من على المدرجات، وترديد الشعارات المهينة للرموز الكردية وليقوموا بعدها برمي الحجارة، ومهاجمة جماهير الجهاد التي كانت خاوية اليدين وليظهر عبر راديو حكومة دمشق مراسلهم ويدّعي بأنه هناك ستة أطفال قد تم دهسهم وقُتلوا في الملعب أثناء عراك جماهير الناديين، في خبر مُنافي للحقائق، ليتحرك أبناء قامشلو للاطمئنان على أبنائهم وتجمّع الآلاف منهم أمام الملعب، وسط سقوط جرحى جُلهم من أبناء قامشلو، حيث ساعدت قوات النظام المرتزقة القادمين من دير الزور والمناطق الأخرى لضرب أبناء قامشلو والجماهير القادمة من باقي المناطق. وليحضر محافظ الحسكة وقتها سليم كبول ويقوم بإعطاء الأوامر بإطلاق الرصاص الحي على الشعب الأعزل، وليستشهد العديد من أبناء المدينة، حيث استمر عناصر النظام بإطلاق الرصاص حتى حلول المساء، وفي اليوم الثاني خرج عشرات الآلاف من أبناء قامشلو لتشييع الشهداء الذين استُشهِدوا برصاص قوات الأمن التابعة لحكومة دمشق، وليُقابلوا من جديد بالرصاص والاعتقالات، ولينتشر الخبر في كل مدن روج آفا ويخرج مئات الآلاف في روج آفا، وتمتد انتفاضة قامشلو إلى كوباني وديرك وتربه سبيه والحسكة وعامودا والدرباسية وسري كانيه وتل تمر وعفرين والداخل السوري وفي كل مكان تواجد فيه الكرد مثل ركن الدين وزور آفا وكل أجزاء كردستان وكل بلدان العالم، وليعتقل النظام الآلاف من أبناء الشعب الكردي، ويكون آذار ربيع جديد تفوح منه رائحة الدم الكردي مثل ربيع حلبجة والأنفال سابقاً.
رياضة تجمعنا
وبعد ثورة روج آفا ورغم الكثير من النواقص في رياضة شمال وشرق سوريا، اليوم باتوا العربي والكردي والمسيحي يلعبون سوياً ضمن الفرق نفسها في بطولات الفرق الشعبية، وعلى غرار الفرق الشعبية، الأندية أيضاً على السويّة نفسها يلعب فيها أبناء كل الأطياف والقوميات، وفي الاتحاد الرياضي بإقليم الجزيرة يعمل الكردي والعربي جنباً لجنب، وابتعدت اللغة الطائفية التي كانت تنتشر كثيراً في الرياضة السوريّة التي كانت تُدار من قبل حكومة دمشق، والتي كانت تحاول دائماً أن تزرع الفتن بشكلٍ دائم، ولكنها فشلت لأن تلك الشعوب أدركت في النهاية بأن هذه الحكومة لا تسعى لبناء سوريا حرة تعددية، بل تحاول فرض شعب ولغة واحدة أنتجت في النهاية ما نحن عليه الآن، بلد بعيد عن التسويّة والحلول السلميّة، وحلَّ فيه الخراب والدمار بسبب تعنّت هذه الحكومة، وعدم تيقنها أن سوريا لن تعود كما كانت قبل عام 2011.
وراهنت حكومة دمشق على مرتزقتها من المنتمين لحزب البعث العربي من دير الزور وقامشلو ومدن مثل سري كانيه والحسكة وتربه سبيه لتحدث فتنة بين العرب والكرد، ولكن بفضل العقلاء لم تنحدر الأحداث التي حصلت إلى ما كان يُخطط له، وانتفض الشعب الكردي ضد تلك الحكومة التي كل ظنها بأن الكُرد سوف يخنعون لها، ولم تعلم بأن الانتفاضة قادمة لِتُسقِط جدار الخوف طوال سنوات مرّت، وبالفعل كانت رسالة قوية وتداعياتها بقيت لسنوات والدليل تحاشي النظام الاصطدام مع الكُرد عندما شاركوا في انتفاضة الشعب السوري في 15 آذار من عام 2011.
