قامشلو/ رشا علي ـ
لم تكن ملذات الحياة، ومقوماتها أسمى من هدفهم المنشود، فكانت الشهادة هي الراية، التي رفعت في سبيل أن ينعم أبناء المنطقة بالأمن والسلام، وعلى هذا الأساس نال العربي، والكردي، والسرياني، والأرمني، وغيرهم من الأحرار وسام العزة والكرامة.
بفضل تضحيات بنات، وأبناء شمال وشرق سوريا، حققت الثورة الشعبية في شمال وشرق سوريا إنجازات تاريخية نحو كسر المفاهيم التقليدية في سوريا، وقوّت أساس المشروع الديمقراطي، الذي نادت به شعوب المنطقة، وعلى أساسها وحدوا صفوفهم، وأسسوا مشروعاً ديمقراطياً متمثلاً بالإدارة الذاتية والمدنية الديمقراطية، التي تشكلت على أساس إدارة الشعب نفسه بنفسه، من هنا تشكلت قوات للحماية سواء العسكرية منها، أو الأمنية أو حتى الجوهرية، أو حتى من الشعب، الذي كان دوماً في استعداد للدفاع عن الأرض، وذلك للتصدي للأعداء وهجماتها، وبخاصة مرتزقة داعش، الذي ظهروا في بداية الثورة، وكذلك المحتل التركي الذي يهاجم المنطقة بين الفنية والأخرى، واقتطع أجزاء من الأراضي السورية، وبخاصة في مناطق شمال وشرق سوريا.
مثلت تلك القوى المقاومة الحقيقة ضد مشاريع الإرهاب والتطرف، وبفضل تضحياتهم وشهادتهم كانت لثورة روج آفا، والتي كان لها صدى عالمياً، تناقش مشاريعها في المحافل الدولية؛ لتكون نموذجاً ثورياً يحتذى بها، وباتت شعوب شمال وشرق سوريا تنعم بالأمن والاستقرار.
إحصائية عدد شهداء شمال وشرق سوريا..
السمة التي امتازت بها شمال وشرق سوريا، هي “الشهادة والتضحية” فعلى أرضها امتزج دماء آلاف الشهداء من الكرد، والعرب، والسريان، وحتى الأممي، الذي جذبه مقومات الثورة وغيرهم من شعوب المنطقة في سبيل الحرية، وكانت دماؤهم الطاهرة كفيلة بخلود أولئك الشهداء، في نهجهم الحر.
وحول حصيلة شهداء الحرية والكرامة في شمال وشرق سوريا، منذ بداية الثورة، وحتى الوقت الحاضر، كشف مجلس عوائل الشهداء لشمال وشرق سوريا لصحيفتنا “روناهي” بأن أعداد شهداء الحرية في شمال وشرق سوريا، بلغ ستة عشر ألف شهيد، من مختلف شعوب شمال وشرق سوريا (الكرد، العرب، السريان، الأرمن، الإيزيدي، التركمان، الآشور) بالإضافة إلى الشهداء الأمميين، فكانت الإحصائية كما يلي: “عدد شهداء الشعب العربي أربعة آلاف ومئتان وخمسون شهيداً، أما شهداء الشعب التركماني فبلغ عددهم سبعة شهداء، والشعب السرياني ستين شهيداً، والشعب الأرمني شهيدين، والشعب الإيزيدي خمسة شهداء، والشعب الآشوري أحد عشر شهيداً، أما الشهداء الأمميون، فبلغ عددهم مائة وخمسين شهيداً، وما تبقى من الشهداء فهم من الشعب الكردي، وعددهم أحد عشر ألف وخمسمائة وخمسة عشر شهيدًا ( 11515)”.
السير على خطا شهداء الحرية
قدم الكثير من العوائل في شمال وشرق سوريا فلذات أكبادهم، فداءً لأرض الوطن، كما كان لجميع شعوب المنطقة النصيب في نيل أبنائهم وبناتهم أعلى درجات القدسية، والتي هي الشهادة، فهناك عوائل قدمت أكثر من ستة شهداء، بل وأكثر من ذلك، وعوائل قدمت وحيدها فداءً للحرية، وهناك شهداء كانوا آباءً لأطفال، لبوا نداء الوطن وسقوا ترابها بدمائهم الطاهرة.
وفي هذا السياق كان لصحيفتنا عدة لقاءت مع ذوي شهداء من مختلف الشعوب الحرة في شمال وشرق سوريا، هذه الشعوب التي عاهدت الشهداء، بأنهم ماضون على طريقهم المقدس، وأقسموا بأن دماء شهدائهم، ستكون شعل الحرية والكرامة.
يقع على عاتق كل إنسان يسعى للحرية، والكرامة السير على خطا الشهداء، ومن واجب كل فرد أن يتابع مسيرة النضال والكفاح، حتى تحقيق الأهداف، التي ضحى من أجلها الشهداء بدمائهم، فمن الواجب الأخلاقي الدفاع عن المكتسبات، التي تحققت بفضل الشهداء، هؤلاء الشهداء الذين ضحوا بدمائهم من أجل حماية المجتمع والأرض، وتحقيق الديمقراطية، والحرية وبناء جيل حر لا يقبل بالعبودية.
وعلى هذا الأساس هناك الكثير ممن عاهدوا بالسير على درب الشهداء، أمثال “شيندا حسين” وهي زوجة لشهيد، عاهدت أمام الجميع في يوم تشيع جثمان زوجها، أن تسير على خطا زوجها الشهيد، صعدت على المنصة يومها، وهي مرفوعة الرأس، فخورة بشهادة زوجها وقالت: “أبارك دم الشهيد عليكم، وأعاهد بالسير على خطا الشهيد، وأن أحمل سلاحه حتى تحقيق الحرية والكرامة”.
“شيندا حسين” أم لثلاثة أطفال وهم آزاد، روزلين ولوند، آزاد أكبرهم، ولم يتجاوز العاشرة من عمره، أما أصغرهم فهو لوند كان يبلغ من العمر سنة واحدة فقط، عندما استشهد والده “بلنك عامودا”.
عرف المجتمع الكردي بمقاومته البطولية للهجمات الاحتلالية، التي شُنت على الشعب الكردي منذ عقود طويلة، والتي ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا، وهذه المقاومة البطولية تأخذ قوتها من الشباب الكرد اليافعين، والشابات اليافعات، هؤلاء دائماً ما يكونون في طليعة المقاومة، ولهم دور فعال في كسر الهجمات الوحشية، التي تستهدف المناطق الكردية على الدوام، هؤلاء الأبطال والبطلات أصبحوا مثالاً للتضحية، لم ينحنوا أمام قوة المحتلين، وقاوموا بكل بسالة، فاستشهدوا وأصبحوا رمزاً للنضال والحرية، شباب وشابات روج آفا خير مثال على التضحية والفداء، استشهدوا دفاعاً عن كرامة وحرية شعوب المنطقة كافة.
كان الشهيد “بلنك عامودا” خير مثال للشاب الكردي المقاوم، كما أكدته زوجته شيندا، وقالت بأن فور سماع زوجها الشهيد بثورة روج آفا، عاد إلى مدينته قامشلو، وانضم إلى القوات العسكرية من أجل الدفاع عن الأرض والوطن، مشيرة إلى أنه لم يكن يخشى الأعداء.
الشهيد “أحمد محمد” الاسم الحركي “بلنك عامودا”، من مواليد مدينة عامودا، انضم إلى وحدات حماية الشعب عام2011، واستشهد في مدينة الرقة بتاريخ 3-8-2017.
أشارت شيندا زوجة الشهيد “بلنك عامودا” بأنها انضمت للقوات العسكرية بعد ثلاث سنوات من تاريخ استشهاد زوجها، كما أنها تحدثت لنا عن طبيعة عملها في القوات العسكرية قائلةً: “أعمل في مكتب عوائل القوات العسكرية، مهمتنا هي زيارة جميع عوائل القوات العسكرية من وحدات حماية الشعب YPG ووحدات حماية المرأة YPJ وقوات سوريا الديمقراطية QSD والشرطة العسكرية، وذلك من أجل تفقد أحوالهم وتقديم المساعدة والعون لهم، إذا كانوا بحاجة لشيء معين”.
“بتضحياتهم توحدت الشعوب”
أصبحت ثورة روج آفا نجمة في سماء الشعوب التواقة للحرية، انضم إليها جميع شعوب شمال وشرق سوريا، وقدموا الشهداء، وما زالوا يسيرون في درب الشهداء، هذا ما يؤكده “يعقوب حانون داؤود” وهو من الشعب السرياني، ووالد الشهيد “جودي” قائلاً: “كان الشهيد جودي عضواً في قوات الأمن السريانية سوتورو، وشارك في الكثير من الجبهات ضد مرتزقة جبهة النصرة وداعش في كل من تل كوجر، وتل حميس، وتل تمر والرقة، استشهد ابني بعد أربع سنوات من النضال والكفاح في سبيل الحرية والكرامة، إنه يعدّ رمزاً لأخوة الشعوب”.
الاسم الحقيقي للشهيد جودي هو “كابي يعقوب داؤود “، وقد استشهد بتاريخ 16-1-2017.
أصحبت شهادة الأبناء رمزاً وافتخاراً لأهلهم، هذا ما بينه داؤود بقوله: “نفتخر بتضحيات شهدائنا والمجد والخلود لشهداء الحرية، بفضلهم توحد الشعوب، فلتحيا الشهادة والشهداء”.