من بين فصول السنة الأربعة يُعتبر فصل الربيع الفصل الأكثر تميزاً. وذلك بسبب أحوال الطقس المعتدلة، حيث لا برودة شديدة ولا حرٌّ شديد، فضلاً عن تفتح الأزهار وإكساء الأرض بخضارٍ يبعث للتفاؤل، لذلك تكون الفترة ما بين أوائل آذار وحتى بداية شهر أيار هي فترة للتنزه والترفيه عن الذات بعد مدة طويلة يكون المرء قد قضاها في أعمال قد يكون بعضها شاقاً، بالإضافة إلى الأعياد التي تكون في هذه الفترة، مثل عيد المرأة وعيد النوروز وعيد العمال العالمي، حيث أن جميعها أعياد يتم الاحتفال بها في المنتزهات والحدائق العامة. وتكون الطبيعة في أوج ألقها في هذه الفترة.
وفي شمال وشرق سوريا، توجد أماكن يمكن أن نصفها بالفردوس الموجود على سطح الأرض، ونستطيع أن نذكر منها (على سبيل المثال لا الحصر) عين ديور – مزكفت – سويديكة – في ريف مدينة ديرك، وجبل كزوان وقلعة سكرة في ريف الحسكة. وغيرها الكثير من المناطق التي لا يمكن حصرها.
في ناحية الدرباسية، ونظراً لصغر حجمها، هناك عدد قليل من الحدائق، يتم استثمارها من قبل أشخاص في فصل الصيف، أي هذه الحدائق ليست حدائق عامة يستطيع من يريد أن يزورها، لذلك يلجأ الأهالي إلى الأراضي والمساحات الخضراء، مثل قرية رحيك في ريف المدينة، و”أرض سعدونكة”، أو كما هو معروف شعبياً (çola sedonkê) الذي تقع على أطراف المدينة.
متنفسنا الوحيد
يرى عصام أحمد، وهو في الثلاثين من عمره، من أبناء ناحية الدرباسية، أن قرية رحيك (Rihîkê) الرئة الوحيدة لمدينة الدرباسية، حيث الهواء النقي بفضل تلك الأشجار الموجودة، لذلك يقضي عطلته الأسبوعية في هذه القرية، عصام أحمد يقول: “أنا حداد ومهنتنا تُعتبر مهنة شاقة، وأقضي أكثر من نصف وقتي في المحل، لذلك كل يوم جمعة أصطحب العائلة معي ونأتي إلى قرية رحيك، نقضي فيها بضع ساعات أنسى فيها إرهاق العمل خلال الأسبوع”.
ويضيف: “أماكن كهذه تعتبر ملعباً للأطفال للخروج من جو الدراسة وضغوطاتها، وخصوصاً أن مدينتنا الصغيرة لا تحتوي على أماكن عامة يمكن ارتيادها لمثل هذا الغرض”. ونوه عصام أحمد في نهاية حديثه إلى أنه في السابق كان يأتي باللحم ومستلزمات الشواء، وكانوا يقومون بشواء اللحم خلال نزهتهم، ولكن أحوالهم الاقتصادية المتردية فرضت عليهم إلغاء هذه العادة، ليكتفوا فقط بالمشروبات الغازية، وبعض مأكولات خاصة للأطفال.
إحساس الحرية في الأماكن المفتوحة
سناء عمر أم لثلاثة أطفال تقول: “نسكن في شقة في الطابق الثالث، والشقق المغلقة تكون مثل السجون، وخصوصاً بالنسبة للأطفال، حيث لا يوجد مكان ليلعبوا فيه، لذلك آتي بهم إلى هنا كل يوم في فترة ما بعد الظهر إن كان الجو معتدلاً فيلعبون بالكرة وغيرها من ألعاب الأطفال”.
وأضافت: “من المفترض أن يكون هناك حدائق عامة لهذا الغرض، ولكن عدم وجود مثل تلك الحدائق تدفعنا للجوء إلى أماكن أخرى للتنزه مثل “أرض سعدونكة” الذي نحن فيها الآن”.
لكل فصلٍ فائدة
من المعروف بأن مناطق شمال وشرق سوريا، تنتظر بفارغ الصبر فصل الشتاء وهطول الأمطار لكي يتم الاستفادة منها في زراعة المواد الأساسية مثل القمح والقطن، ولكن فائدة تلك الأمطار لا تقتصر على فصل الشتاء فحسب، بل إن للربيع أيضاً نصيباً من فوائد الأمطار، حيث أن أنواع عديدة من الأعشاب المفيدة تكون بانتظار الأمطار لكي تنمو ويُستفاد منها.
هدية فلك، امرأة في العقد الخامس من العمر تقول: “توجد الكثير من الأعشاب التي تتميز بها مناطقنا، مثل (القنيبر – خبيزة – سبانخ) وغيرها الكثير من الأعشاب التي تعود بفوائد كبيرة على جسم الإنسان، ولا سيما زيادة كمية الحديد في الجسم”، وأضافت: “ننتظر فصل الربيع لكي نجني هذه الأعشاب، حيث أننا نجمع كميات تزيد عن حاجتنا لها في فصل الربيع ونخزنها كمؤونة لباقي فصول السنة”.
هدية فلك أشارت إلى أن قطف هذه الأعشاب أصبح مع مرور الزمن بمثابة تقليدٍ شعبي له طقوسه الخاصة، حيث أن عدداً من النسوة يجتمعن في مكان محدد ويبدأن بقطف الأعشاب، منشدات خلال هذه المدة الأغاني الفلكلورية، كما يقمن برواية القصص الشعبية لبعضهن، مستمرات بذلك حتى غروب الشمس.
