لابدّ ومن الطبيعي لفئات، ولأفراد الشعب وللمجتمع، أن يدركوا جميعا النظرية الأوجلانية، وأن يغوصوا في أعماق المعاني الأيديولوجية التي عناها، وكرّسها في مجلداته الخمسة، فيجب على المحاكم الأوروبية أن تعي ذلك أيضا، وأن تدرك هذا الفكر، وهذه الذهنية المثقفة الواعية في مرافعاته أمامها، فلا بدّ لهم من أن يصلوا إلى فهم حقيقي لإدراكه الصحيح للواقع المعاش، ومن ثم تصحيحه.
ففكر القائد أوجلان، هو نتاج تطور الفكر الإنساني في مختلف النواحي الفلسفية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعلوم السياسية المختلفة، ومن عدة مدارس، دينية، وفلسفية وعلمية، ولمحاولة البحث عن هذه الأفكار والغوص فيها، فلا بد من مدارس، وأكاديميات خاصة، لدراسة أفكار ورؤى القائد أوجلان، وفهم نظريته (الأمة الديمقراطية)، ومشروع الإدارات الذاتية، التي تعتمد على ”أخوة الشعوب في التعايش السلمي المشترك” على أي جغرافية كانت، حتى أن يتحول هذا الفكرـ إذا ما تم فهمه وإفهامه ـ إلى علم مفسر للواقع، كما النظرية الاشتراكية العلمية، بريادة ماركس، وأنجلس، ولينين.
فهنا يكمن دور المثقفين في تدريس هذا الفكر، وبيان مقاصده إلى فئات الشعب، كيلا يترك الشعب، والمجتمع للعفوية الساذجة، والشعوبية، التي بدورهما قد تُخضعان غالبية الشعب لتأثيرات قوى الحداثة الرأسمالية، والرجعية المحلية، التي تبتزّ القيمة الزائدة من كدح العمال، والفلاحين، والمسحوقين عامة، التي بدورها تشكل الاحتكار، التي وصفها لينين “بأعلى مراحل الامبريالية”.
هنا إذا ما بحثنا في جوهر ترك الجماهير للعفوية، يعني بإحدى تجلياتها هو الاتجاه إلى أهون السبل، وهنا يكون دور احترافية العمل الثوري، وصراعه مع قوى الأوليغارشية (حكم الأقلية) دورا حاسما في إبقاء الجماهير، ضمن الفكر الذي عمل عليه القائد، وطوره لمدة أربعة عقود متواصلة كما قال: من “كردستان مستعمرة إلى الأمة الديمقراطية” إلا أن الحل يكمن في تنظيم المجتمع نفسه بنفسه بكل فئاته، وشرائحه ضمن كومينات، ومجالس وإدارات ذاتية، بالتوازي مع الحقوق الكونية، فيكون دورها حل مشاكلها ضمن نظام موازٍ للدولة، التي تهمش دور الدولة السلطوية عبر العقد الاجتماعي، الذي يمثل إرادة فئات المجتمع كله.
إن دور مفكري ومثقفي نظرية الأمة الديمقراطية هو إقناع الجماهير بالمبادئ، وبالقيم، التي تنادي بها الأوجلانية، التي ترى في فلسفة أخوة الشعوب، والتعايش المشترك، قوتها المادية وهذه الشعوب ترى في براديغما (نموذج فكري) القائد أوجلان قوتها الروحية.
فقوى الحداثة الرأسمالية تعمل جاهدة بحكم تجربتها الغنية، وإمكاناتها الكبيرة للترويج للغيبيات، وتضليل الشعوب، لإمكان السيطرة عليهم، فمصلحة الشعوب هي معرفة الحقيقة الكونية، وحقوقها، وقيمة عملها، وتفكيرها، وليس لها مصلحة بطليعة مثقفة ترسخ الجمود الفكري، “الدوغمائي” لأن ذلك لا يُوصل الشعوب إلى فهم حقيقة الحرية المنشودة بالتوزيع العادل للثروة، وللتعبير عن نفسها، كما هي في جوهرها الطبيعي الوجودي، وبالوعي، وهذا ما أشار إليه القائد أوجلان في رسالته الأخيرة على أنه ”عمل أربعين عاماً لخلق ذهنية حرة ومجتمع حر”.
عندما يعمل مثقفو الأوجلانية على نشر المعرفة، والثقافة، ورفع مستوى الوعي الشعبي سوف تسهل عملية تأهيل المجتمع بفئاته كلها، وتقوي مناعته للوقوف في وجه كل من يتربص بقيم، وبمبادئ، وبمصالح الشعوب.
فالوعي هنا يكون بمثابة الروح، التي تُغني حياة المجتمع، ويحس أفرادها بالسعادة، وبالبهجة، فهزيمة أعداء المجتمع من حفنة السلطويين، ومن أعوانهم، ومن على شاكلتهم من قوى الهيمنة، لن يكون سهلا مادياً؛ لكن مقاومتها بالقوة الروحية سوف يعطي الثقة لفئات المجتمع لمقارعتها كسلاح رادع، وموازٍ على الأقل.
فعملية التحول الديمقراطي، جوهر الأوجلانية، لا تكتفي بتشخيص الظاهرة الكردية، ومعضلات الشرق الأوسط، والبحث بالتاريخ فقط، بل تطرح البديل عبر نظام الإدارات الذاتية الديمقراطية، ونبذ الاقصائية، وتبدأ بعملية تحول ذهني، وركائزها: الذكاء التحليلي والحقوق الكونية بثالوث: فلسفة الوجود، والزمان، والمكان والنشوء، وبذل جهود كبيرة، واستخلاص النتائج من تجارب الأمم والشعوب، والعلوم الحديثة والكوانتوم ومجموعة القيم الفلسفية، والسياسية والنسوية والبيئية، ولكيلا تسيطر على المثقفين، والرياديين النظرة التأملية، والنظرة النخبوية، والصوفية، وينعزلوا عن مجتمعاتهم، ويهادنهم أصحاب السلطة، فيجب أن نؤكد على المقولة الأوجلانية المأثورة ”أنا صاحب براديغما تسمى الواقعية الثورية”.
فغالبية شعبنا مشغول بأمور معيشته اليومية، بحكم ظروف الصراع في منطقتنا بشكل عام وسيطرة الأوليغارشية، والفاشية (العنصرية) الجديدة ونهب خيرات وثروات غالبية شعوبنا بحكم ذلك لا تهتم بالأمور النظرية كثيرا، والتي بدونها لا يمكن للمجتمع أن يتعرف على حقوقه، والوصول إلى العدالة المنشودة، فلا حياة حرة بدون نظرية ثورية، فالمثقف ذو الخاصية الأوجلانية الواقعية الثورية، سوف يلعب دوره عبر المدارس، والأكاديميات الخاصة، للتعريف بالفكر، وبالمنظومة المجتمعية، والتوعية المطلوبة؛ للوقوف في وجه قوى الحداثة الرأسمالية وأعوانهم من المتسلقين والمتطفلين والوصوليين.
الحركة الوجودية التحررية المجتمعية الأوجلانية مُطالبة باحتضان هؤلاء المثقفين القريبين من معاناة الشعوب، وبإعطائهم الدور المطلوب كما هو مع الكوادر المتخرجة من قِبلَة الفكر الأوجلاني، جبال قنديل، ليكونوا عونا لمُلهم الشعوب، وآمالهم في التحرر من نير ظلم آلاف السنيين، وتشكيل قطب آخر مضاد لجبروت الحداثة الرأسمالية، يعيد التوازن للتاريخ والسير بشكل طبيعي وهادئ.
إنشاء تركيبة الإيديولوجية مع العلم مهمة المثقف والمُنّظر، فالنضال على المستوى الفكري لا مناص منه، وتعريف الفكر المجتمعي الخلاق للقائد أوجلان هو مهمة المنظومة وكوادرها، والمثقفين القريبين من الشعب، في تحديد مصلحة المجتمع.
فالتاريخ يُثبت أنه لا يمكن معرفة العالم بدون المثقفين، وأداة تغيير العالم هي الشعوب.
هنا العلاقة وطيدة بين المثقفين، والشعوب، والمُنظر، والمفكر أوجلان نموذج حي وواقعي.
فهنا يكمن دور المثقفين في تدريس هذا الفكر، وبيان مقاصده إلى فئات الشعب، كيلا يترك الشعب، والمجتمع للعفوية الساذجة، والشعوبية، التي بدورهما قد تُخضعان غالبية الشعب لتأثيرات قوى الحداثة الرأسمالية، والرجعية المحلية، التي تبتزّ القيمة الزائدة من كدح العمال، والفلاحين، والمسحوقين عامة، التي بدورها تشكل الاحتكار، التي وصفها لينين “بأعلى مراحل الامبريالية”.
