خالد إبراهيم: “دولة الاحتلال التركي ستخرج من المدن السورية المحتلة آجلاً أم عاجلاً”

ما تنتظره إدلب هي نتاج سياسات الاحتلال التركي الرعناء على حساب الجغرافية السورية وتحالفاتها الشوفينية الإخوانية، وليس مستبعداً أن تقوم بمقايضة إدلب مرة أخرى أو بيعها واستباحتها من قبل القوات الروسية وقوات النظام السوري، ودولة الاحتلال التركي اليوم في حالة يُرثى لها سياسياً واقتصادياً؛ فربما تواجه هزات عنيفة؛ ليس من المستبعد الوصول إلى حالة انقلابات أو دخولها في معمعة داخلية تؤدي إلى تغيرات على هيكلية الحكم فيها. وأي عملية تفاوض بين دولة الاحتلال التركي والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا أو مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي مصيرية وهامة تجنب تركيا وشعوب المنطقة المزيد من هدر الدماء، وشرط التفاوض متوقف على الانسحاب من عفرين أولاً وأخيراً؛ وبعدها يبدأ التفاوض بين قوتين جارتين ولمصلحة شعوب البلدين السوري والتركي على حد سواء. إن شروع الاحتلال التركي ببناء جدار التقسيم محاولة لخلط الأوراق من جديد والعودة إلى الوراء؛ ونقطة الصفر، وبالتالي البدء بخلق معادلة جديدة بعد أن انتهى آستانا عملياً، وإن وعودها تحت الطاولة بالانسحاب من سوريا يجب أن تنفذ عاجلاً أم آجلاً، وأن ما يحصل في ليبيا والجزائر والسودان ليس ببعيد عما يحصل في إيران وتركيا والحالة السورية. حول الوضع السياسي الراهن بما فيه التصعيد في إدلب وإمكانية الحوار بين قسد والنظام التركي؛ أجرت وكالة آدار بريس حواراً مع الناشط السياسي والحقوقي خالد إبراهيم. وفيما يلي نص الحوار كاملاً:

ـ هناك توتر كبير على جبهة إدلب، وقد صرّح نائب وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد مؤخراً عزم النظام منع استمرار الجماعات المسلحة السيطرة على إدلب، برأيكم إلى أين تتجه إدلب؟

من المعروف إن ملف إدلب هو أحد مخرجات آستانا؛ عبر تفاهمات ومقايضات بين الدول الضامنة لها، وعلى حساب الدم السوري؛ وأرضه، ووعود الاحتلال التركي بإيجاد مخرج للمجاميع المتطرفة؛ كونها الداعم لهم، وبالتالي؛ فإن ملف إدلب حتى تاريخه أو ما ينتظره في المستقبل هو استمرار لاتفاقات آستانا، وباتت الخيارات تضيق على دولة الاحتلال التركي أكثر فأكثر بعد تمديد ملف المجاميع في إدلب بناءً على الطلب التركي عسى أن تجد لها مناورة سياسية أو عسكرية كالضغط على ملف منبج مثلاً، أو تهديدها بضرب شمال وشرق الفرات؛ واجتياز ما جرى في انتخابات البلديات. لذلك؛ كل ما تنتظره إدلب هي نتاج سياسات الاحتلال التركي الرعناء على حساب الجغرافية السورية وتحالفاتها مع الإخوان المسلمين، وليس مستبعداً أن تقوم بمقايضة إدلب مرة أخرى أو بيعها واستباحتها من قبل القوات الروسية والجيش السوري.

ـ روسيا أيضاً صرّحت على لسان بوتين أنها لا تستبعد عملية عسكرية شاملة في إدلب؛ كيف سيكون الموقف التركي برأيكم ولا سيما أن هناك توافقات روسية تركية إيرانية بخصوص المنطقة؟

ليس للمواقف التركية أية أهمية، أو بكلام آخر؛ دولة الاحتلال التركي ليس لها موقف حيال الكثير من العلاقات والملفات؛ وتاريخها الدبلوماسي خير دليل على ذلك، فقبل الأزمة كانت دولة الاحتلال التركي وسوريا في حالة شهر عسل وما أن بدأت الأزمة حتى قالت تركيا يجب الإطاحة بنظام الأسد وعملت على هذا المسار بشتى الوسائل جهاراً نهاراً، والآن نجدها تحاول الإبقاء على نظام الأسد؛ وحتى تجديد العهد معه وهذا ما تفعله مع الكثير من الدول؛ رغم أن كل المؤشرات تدل أن أردوغان ومعه دولة الاحتلال التركي في حالة يرثى لهم سياسياً واقتصادياً؛ وأنها قد تواجه هزات عنيفة؛ وليس من المستبعد الوصول إلى حالة  انقلابات؛ أو دخولها في معمعة داخلية تؤدي إلى تغيرات على هيكلية الحكم فيها.

ـ حسبما صرّحت عدة وسائل إعلامية بأن هناك مفاوضات غير مباشرة بين الإدارة الذاتية ودولة الاحتلال التركي أي عبر وسيط، كيف ترون هذه الخطوة؟

دولة الاحتلال التركي مرغمة أولاً وأخيراً؛ لأن تخوض حوارات ونقاشات جدية، وهي أحوج اليوم إلى مراجعة ذاتها أكثر من أي وقت مضى داخلياً وخارجياً، وأي عملية تفاوض بينها وبين أهالي شمال وشرق سوريا أو مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) هي مصيرية وهامة ستجبنها وشعوب المنطقة المزيد من هدر الدماء، وتدرك قبل غيرها مدى الارتباط العضوي بين ما يعانيه الداخل التركي وسياساتها الخارجية على مستوى القضية الديمقراطية والكردية على أقل تقدير.

ـ بخصوص هذه المفاوضات؛ صرّح قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي أن الانسحاب من عفرين هو شرط الإدارة الذاتية لمناقشة وجود تركي رمزي في “المنطقة الآمنة”، كيف تقرؤون ذلك؟

باتت قوات سوريا الديمقراطية رقماً صعباً في معادلة المنطقة وحلولها، من الصعب على فرقاء الأزمة السورية تجاوزها، والاحتلال التركي وعبر وسيطها الأمريكي تريد أن تحافظ على شيء من ماء وجهها، وكلام مظلوم عبدي بشأن التفاوض غير المباشر مع تركيا واضح وصريح، وينم عن ثقة لموقفه وأطروحاته، فشرط التفاوض متوقف على الانسحاب من عفرين أولاً وأخيراً؛ ومن ثم البدء بعملية التفاوض على هذا الأساس وخدمةً لمصلحة شعوب البلدين على حد سواء.

– دولة الاحتلال التركي تبني جداراً حول عفرين بالرغم من مطالب الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا بالانسحاب؛ برأيكم إلى أين تريد أن تصل وكيف تتوقعون رد الفعل الدولي؟

دولة الاحتلال التركي وعبر بنائها لجدار التقسيم حول عفرين تريد أن تبعث ببعض رسائل الضغط على فرقاء الأزمة السورية وعلى قوات سوريا الديمقراطية أولاً واخيراً؛ لأنها القوة الوحيدة التي تعتبر تركيا دولة محتلة لأراضٍ سورية ويجب الانسحاب منها أو طردها بالقوة؛ والاحتلال التركي وعبر شروعها ببناء هذا الجدار تريد أن تخلط الأوراق من جديد والعودة إلى الوراء؛ ونقطة الصفر، وبالتالي البدء بخلق معادلة جديدة بعد أن انتهى آستانا عملياً، وإن وعودها تحت الطاولة بالانسحاب من سوريا يجب أن تنفذ عاجلاً أم آجلاً، ولا يمكن أن تبقى الأوضاع في المناطق المحتلة إلى ما لا نهاية، وعندما تكون جميع الظروف مهيأة لذلك ستخرج حتماً من جميع المدن السورية المحتلة.

– برأيكم إلى أين تمضي المنطقة ولا سيما أن العقوبات الأمريكية على إيران والنظام أرهقته في الآونة الأخيرة؟

من المعروف أن النظام يريد خلق حالة من الانتصار الوهمي بمساعدة إيران وروسيا، إلا إنه غير قادر على الاستمرار في هذه الحالة، ﻻ سيما بعد فرض أمريكا عقوبات قاسية على حليفته الأساسية إيران والتي دعمته منذ البدايات، وكذلك وجود إشارات على سوء العلاقة بينها وبين روسيا؛ وجاء تأجير ميناء طرطوس تحت ضغط العقوبات التي أثقلت كاهله وما يعانيه خلال هذه الحرب المدمرة الاستنزافية. وما ينتظره الكثير من الوقت والجهد والمال لإعادة الحالة إلى ما قبل 2011 على مستوى الخدمات؛ والبنية التحتية؛ واستحالة عودتها سياسياً كجسمٍ بنيويٍّ مركزيٍّ، وقد يكون إسقاطاً على عموم المنطقة وﻻ سيما بعد التطورات التي تحدث في ليبيا والجزائر والسودان وسقوط الأنظمة المركزية والأيديولوجيات المنغلقة والمتزمتة، وما يحصل في هذه البلدان ليس ببعيد عما يحصل في إيران وتركيا والحالة السورية.