حذامة محمد سعيد: ثورة روج آفا انطلاقة حيّة ولِدت من ضرورات المجتمع

روناهي / منبج – أشارت الناطقة والإدارية في مجلس المرأة السورية؛ حذامة محمد سعيد خلال حوار لها مع صحيفة روناهي؛ إلى الآثار البارزة التي ظهرت جليّاً على مستوى فكر المرأة في مدينة منبج وريفها، خلال وبعد ثورة روج آفا والشمال السوري.

لا شك أن الفترة التي شهدت انطلاقة ثورة روج آفا في 19تموز عام2012وانطلقت من مدينة كوباني؛ وسميت بثورة المرأة، قد شكلت لحظة فارقة في تاريخ سوريا المعاصر. وتمكنت المرأة أن تدرك صورتين مقاربتين في واقعها قبل وبعد قيام الثورة. أما الصورة الأولى هي حالة المرأة كرهينة المنزل ليس لها أي مرجعية أو مظلة فكرية تستطيع من خلالها ممارسة كافة القرارات والأهداف الوطنية لتعيش مراحل من التغييب والتهميش في المجتمع. أما الصورة الثانية، فقد تمكنت المرأة من أن تحقق قفزات نوعية وتاريخية على جميع الأصعدة، حيث شهدت إنشاء مؤسسات ومراكز خاصة بالمرأة التي تديرها بنفسها؛ لتغدو في طليعة المجتمع، مشاركة نضال الشعب في عملية التحول الديمقراطي. وللحديث عن هذا الموضوع، أجرت صحيفتنا” روناهي” حواراً مع الناطقة والإدارية في مجلس المرأة السورية؛ حذامة محمد سعيد التي حدثتنا عن واقع المرأة قبل ثورة روج آفا وبعدها. وغيرها من الحقائق التي جاءت في هذا الحوار.

ـ ما أبرز المظاهر التي أحاطت بحياة المرأة قبل وبعد انطلاق ثورة روج آفا؟

كثيرة هي الحقائق التي يندى لها جبين الإنسانية، إذا تناولنا نقاشها بشفافية مطلقة، ذلك أن تاريخ المرأة الحديث على الرغم من تقدمه في مجال التكنولوجيا والتقانة والبرمجيات وغيرها، خاصةً في المجتمعات الغربية، إلا أن المرأة في المجتمع الشرقي بقيت حبيسة نير السلطة الذكورية. ولا يزال ينظر إلى المرأة باعتبارها أداة طيّعة من واجبها الوقوف على مطالب الرجل أينما كان. ولتوضيح هذا الغلط، فإن مجتمعنا الشرقي على العموم ساهم في بلورة هذا الواقع المأساوي بنوع من الدونية تجاه المرأة، منذ ولادة الأنثى، وتحاط بهالة من المحرمات والتابو والتقاليد التي من شأنها أن حاصرتها بالقدر الذي لم تستطع معه ممارسة فكرها الحر، وهكذا لزم على هذا الأمر أن ينظر إلى كل فعل منها يخالف المعتقد والرأي، وإن كان صحيحاً في مقياس العقل على أنه من المباذل والأفعال المشينة. ألا ترى معي لا يسمح للأنثى الطفلة أن تلعب إلا ضمن جدران البيت، وبمباركة من مصادر الأبوّة؛ الأب ذاته أو الأخ. وفي هذه الحال تم تخصيص نوع من الألعاب لها؛ كالدمى بما يناسب منظورهم، أنها فارغة المحتوى من الداخل بينما لا نشاهد هذا الأمر عند الطفل الذكر. كما رأوا منعها من التعليم؛ فرصة للإنقاض على حريتها وحقها في التعليم؛ إمعاناً في التمادي باستعبادها. أما على مستوى المجتمع في الفترة السابقة، فقد تم تأسيس الاتحاد النسائي الذي يعنى بقضايا المرأة إلا أن ذلك الأمر يبعث على الازدراء؛ كون القائم على تنفيذ مهامه رجلاً لا يعرف أبسط قضايا المرأة وحقوقها. كما شهدت حقبة داعش أسوأ مراحل التاريخ إهانةً للمرأة، حيث تم تغليفها بالسواد، وختم فكرها بالشمع الأحمر، وامتهنت أمةً في سوق النخاسة، واستعبدت لصالح الجنس. فالكثيرات كن ضرائر بالقوة، وكنَّ تبعاً لذلك، تجبر إحداهن على تزويج زوجها الداعشي بالإكراه والغصب. وطبقاً لهذا الواقع، فإن المرأة اختزلت في ذلك الوقت؛ بلغة الجسد ومجردة من الأحاسيس والمشاعر. لكن مع تحرير مدينة منبج منحت ثورة روج آفا المرأة اهتماماً كبيراً على مستوى الفكر والتحرر، فشكلت شرارة وانطلاقة لكل امرأة سورية مناضلةً لإثبات قوتها ووجودها. حيث لعبت دوراً في صنع القرار على أساس الشراكة والعدالة والمساواة. وهناك شخصيات نسوية أثبتت نفسها أنها قادرة على تحقيق الطموح واجتياز المعوقات، وإدارة شؤونها، وتفعيل دورها في المجتمع والدولة.

ـ ما الشيء الذي يميز قيام ثورة روج آفا عن باقي الثورات في سوريا؟

تعد ثورة روج آفا ثورة حقيقية، وانطلاقة حيّة ولِدت من ضرورات المجتمع؛ لتحقيق تطلعات المرأة في الوقت الذي شهدت فيه المرأة سابقاً تراجعاً فكرياً قوياً، وانتكاسة على صعيد الموازنة مع الرجل. وهذا مرده إلى اعتبارات عدة، نذكر منها؛ عدم تغيير الذهنية إلى مستوى التحول الديمقراطي بل بقيت الذهنية ضمن المربع الأول التي انبثقت منه بالثبات والسكون، في المقابل منحت ثورة روج آفا للمرأة شخصيتها الريادية المفقودة المتجسدة حالياً في دور المرأة المناضلة. كما وأتاحت لها أن تتطلع إلى ثقافات جديدة كانت في حال من الأحوال مغيبة عنها؛ كالفلكلور والتراث. الأمر الذي مكنها فيما بعد من معرفة إرثها الحضاري، والحفاظ عليه بشكله التاريخي التراكمي. كما واستطاعت الثورة؛ إبراز طاقات المرأة الذاتية؛ لتستطيع معه أن تنال مكانها الطبيعي في المجتمع، بينما في السابق جهلت المرأة حقيقة نفسها، وحقيقة أعرف نفسك. ولا نبالغ في القول إنها ثورة ديمقراطية لا تعني أبداً؛ الإقصاء لأي امرأة بل من المفترض قبول كل النساء دون استثناء باعتبارها الأم والطبيعة والمدرسة والجمال والرئيسة المشتركة. إن المرأة بعد نجاح ثورة روج آفا فتحت نوافذاً للنور أمام المرأة كانت مغلقة، ومن الصعوبة بمكان أن تقترب منها بسبب أنها فرضت كقانون من قبل الرجل والمجتمع، وصارت محرمة عليها البحث عن غياهب حقائقها، وطرق أبوابها. ويبدو أن هذه الثورة أكسبت المرأة قدرة على تمثيل نفسها، فانخرطت فكرياً ضمن تنظيمات أهلية؛ بقصد تنظيم نفسها؛ ضمن نوع معين من الفكر والأهداف التنظيمية والانضواء فيها، على سبيل المثال؛ مجلس المرأة، ومجلس المرأة السورية، ومؤتمر ستار، وعلم الجنولوجيا، والمرأة الشابة، وغيرها من التنظيمات النسائية الفاعلة. لقد آمنت ثورة روج آفا أن في البدء كانت المرأة، قبل أن يفرض على سياق المجتمع؛ نشأة المجتمع الأبوي، واستطاعت أن تعيد بعضاً من الأحقية الغائبة للمرأة في محاولة منه إيجاد صيغة لبلورة فكر المرأة وسمو تفكيرها الذي يعتقد في وقت ما أنه ارتقى بقيمتها إلى مستوى القديسات والآلهة.

ـ ما أبرز السمات التي تميّز الفكر الجديد للمرأة برأيك؟

المرأة في روج آفا، هي كذلك فعلاً، استمدت طاقاتها الخلاقة من تاريخها الكبير، ومارست إبداعاً يشبه مادية الثورة الفرنسية حين تسربت في نفوس النساء المستعبدات، وكذلك هو الحال في عهد الأمة الديمقراطية التي ساوت بين كفتي الميزان بين الرجل والمرأة، وبكل المؤسسات المدنية والعسكرية في المجتمع. وبناء على ذلك فقد شاركت المرأة بعدد من التنظيمات، تهدف إلى بناء شخصيتها للاندماج في كل ميادين العمل. ولولا ثورة روج آفا ما كان ليتحقق لها ذلك وانتشالها من براثن الحضيض حتى تبوأت أماكن الصدارة. في وقت يئست ألّا مناص من أن تقبع في قمقم الرجل الذي يرى في الغريزة؛ أقصى درجات اهتمامه بها، وهي أيضاً مادة استهلاكية تكون بموضع الاستثمار والتجارة المربحة. بينما رفعت ثورة روج آفا من شأن المرأة، وجعلتها قيادية قادرة على لعب دورها الريادي، فتم تصنيف المرأة؛ تبعاً لمقدراتها. فوجدت المرأة الفاعلة والعاملة والمناضلة والمقاومة، على نحو انتصرت على المفاهيم الرجعية من بوابة مشروع الأمة الديمقراطية، ويعزى إليها جمع شمل السوريين ضمن وطن سوري واحد جغرافياً، متنوع تكوينياً، يقود كافة المشاريع التنموية؛ بالتساوي مع الرجل، بحيث تصبح المرأة ضمانة أساسية في نجاح المجتمع.

ـ كيف تنظرين إلى واقع المرأة المستقبلي في مدينة منبج وريفها؟

 تسير المرأة في مدينة منبج وريفها؛ بخطوات مدروسة عبر عزيمة وإيمان قويين؛ لتحقيق أهدافها على أرض الواقع، وكذلك لإزالة العقبات والعادات والتقاليد البالية التي تحد من تقدمها وتطورها. وقد نجحت أن تثبت دورها الرائد بشكل إيجابي، عبر مشاركة الآلاف من النساء في مختلف الفعاليات والأنشطة التي تقام من قبل كافة التنظيمات النسائية. اعتماداً على خط فكري عرضاني يشمل الجهات الأربع؛ بإعطاء دروس في الكومينات والمجالس والخطوط والأكاديميات المفتوحة والمغلقة. مع التأكيد أن النهوض بالمرأة والوصول بها إلى أعلى مستويات الفكر الواعي ليس بالأمر السهل. وإنما يسمو بروح المرأة المتحررة للرد على غطرسة الذهنية الذكورية في تحقيق ما تصبو إليه، وهذا يحتاج مزيد من الوقت. وهذا ما كان بالفعل في عموم الميادين التي تخوضها المرأة يومياً في عملها وصولاً لأهم نقطة تكمن في مشاركتها في الساحات القتالية وإعدادها كمقاتلة. لذا أعتقد أن في الفترة المقبلة، ستشهد المرأة في منبج تنظيماً أكثر، واستيعاب مزيداً من النساء في إطار تفعيل دورهن وحملهن على تحمل مسؤولياتهن بالقدر الطبيعي، ومواجهة الصعاب سواء في البيت أو العمل، عبر ندوات توعوية. وهذا ليس خياراً طبيعياً مفروضاً على المرأة بل لأنها أهل لذلك الحق، وقادرة على تطوير ذاتها من خلال التدريب للتصدي، لكل الأساليب التي فشلت في ليّ إرادتها على مدار سنوات وكانت تجيد فن التعامل والمواجهة ضد هؤلاء المشككين بها.