جيهان كلو.. أيقونة لأمهات الشهداء

قامشلو/ دعاء يوسف ـ

غرست داخل فلذات الأكباد يقينًا، بأن الشهادة وحب الوطن مفتاح الفخر والفرح، وكلما داهمها الحزن، تجاوزته بذكرى تضحية سامية تعيد للأذّهان الفخر والبطولة.

مجّد القائد عبد الله أوجلان الشهداء، فقد كانت لهم مكانة خاصة في فلسفته، حيث قال القائد عبد الله أوجلان: “الشهداء هم قادتنا المعنويون”، ومن هذا المنطلق مجدت أمهات الشهداء هذا الفكر العظيم، الذي ضحين من أجله فلذات أكبادهن، فمهما وصفنا أمهات الشهداء لن نكفيهن حقهن، فأمهات الشهداء ضحين بأولادهن وهم أغلى ما يملكنّ؛ لنحيا أعزاء في وطننا.

 أمهات علّمن أولادهن أن النصر لا يأتي بالكلام والشعارات، بل بالمقاومة والدفاع عن الحقوق، أنجبنَ شهداء أبراراً، سطَّروا بدمائهم أروع التضحيات في سبيل الدفاع عن الوطن، فلولا تلك الدماء الطاهرة، والنقية، وتلك التضحيات العظيمة؛ ما كنا لنعيش على هذه الأرض بسلام وأمان في مناطق شمال وشرق سوريا.

عائلة امتهنت الشهادة

وكما معروفٌ عن روج آفا، أن أرضها ارتوت بدماء أبنائها، الذين رسموا حدود جغرافيتها بدمائهم الطاهرة من أجل الحرية والكرامة، فهم من ضحوا بأنفسهم، وأرواحهم من أجل قضية عادلة، فمنذ 40 عاماً، والشعب الكردي يقاتل المحتلين من أجل حياة كريمة، وفي هذا النضال تم دفع أرواح كثيرة، ولا تزال تُقدم من أجل كردستان وقضية الشعوب، فاستشهد على أرضها عشرات الآلاف من الشهداء.

ومن بين العوائل الوطنية، التي نشأت من روح النضال والفداء من أجل الوطن عائلة “كلو”، فزفت أبناءها شهداء، فقدمت 16 شهيداً، سقوا تراب الوطن بدمائهم الطاهرة، حتى عرف عن هذه العائلة أنها عائلة الشهداء.  فقد كانت “جيهان كلو” ابنة شهيد، ووالدة شهيد، وأخت شهيد، وخالة شهيد، وعمة شهيد، المرأة التي ولدت ضمن هذه العائلة الوطنية، التي ينحني العالم إكراماً لها.

زفت شقيقها، وهي لم تتجاوز الخامسة عشر إلى قبره، الشهيد “مصطفى كلو” الذي انضم إلى حزب العمال الكردستاني في 1989، واستشهد في التاسع من تموز عام1991، ومن بعده العديد من أبناء العائلة “صبري كلو، نور الدين، ومصطفى، ومعصوم، ومظلوم، ومحيي الدين، وباران”، أجزاء من عائلتها، التي عاهدت فوفت، وفقدت جيهان ولديها، الذين كانا مثالاً للحرية والثورة والاستشهاد.

والدة شهيدين

وقد وصفت جيهان أولادها، وأقرباءها من شهداء عائلة كلو بالشمس، التي تشرق إن حلّ ظلام الحرمان والاضطهاد: “لقد بقيت قضيتهم حاضرة، ولم تُدفن أفكارهم، كما دُفنت أجسادهم ظلماً وعدواناً، وكعائلة نحن اليوم نسير على الطريق ذاته”.

وزفت جيهان ابنتها “ريحان خلف” واسمها الحركي “كولان” قبل أن تنضم إلى قوات الدفاع الشعبي في جبال كردستان “قوات الكريلا”، لتعود للنضال في روج آفا، وقاتلت في “شنكال– وقامشلو– وديرك– وسري كانيه-وتل تمر– وكوباني– وعفرين– والشهباء– وتل حميس– وتل براك – وفي جبال كاري”.

وقالت جيهان: إن ابنتها تعرضت للإصابة مرتين، المرة الأولى بتاريخ 19-12-2014 في شنكال أثناء مساندتها للسكان في تلك المناطق.  وفي المرة الثانية بتاريخ 29-9-2016 في مناطق الشهباء نتيجة لغم زرعه المرتزقة.

وبشهادة ابنتها “كولان” في مقاومة العصر بعفرين ضمن صفوف وحدات حماية المرأة في 2018، نالت جيهان رمز الشهيد: “لم أندم فقد كان قرارها أن تدافع عن وطنها ولو عاد الزمن لما منعتها”.

كانت الشهيدة ريحان رمزاً للفتاة المناضلة، اتسمت بالاندفاع والعنفوان المختلط بالذكاء، ولطالما ارتسمت على ثغرها ابتسامة عبرت عن روحها الثورية البريئة، وتمكنت الشهيدة من المساهمة بفاعلية في الدفاع عن الشعب والوطن.

وفي التاسع من تشرين الثاني عام 2021، ارتكب الاحتلال التركي مجزرة في حي الهلالية بحق والدها يوسف كلو، وحفيديه مظلوم (40 عاماً)، ومحمد (21 عاماً) الذي هو ابنها، ليكونوا شهداء للوطن، فقد كانت الاستهدافات متكررة بحق عائلة كلو، التي قدّمت أبناءها وبناتها شهداء للوطن في مسيرة النضال من أجل الحرية، فأصبحت ابنة عميد الشهداء.

بالرغم من خسارتها ولديها، لم تتنازل جيهان عن مبادئها بل غرستها في قلوب بقية أبنائها، وأحفادها، فعائلة كلو الوطنية بينت موقفها من شهدائها، ومع كل شهيد تزفه لأرض الوطن، يولد وطني آخر ضمن العائلة، وأن شهداء العائلة لم يرحلوا عن ذاكرة من عاش معهم بل بقي فكرهم ميراثاً للأجيال، التي تسير على دربهم وبطولة يتناقلها الأجداد للأحفاد على مر الزمان.

واختتمت “جيهان كلو” حديثها: “إن الاستهداف المتكرر بحقنا لن يهز عزيمتنا، التي تحصنت بدماء الشهداء، وسنسير على نهجهم للحرية، ولن نحيد عن طريق الوطنية حتى الوصول للحرية ولو استشهدنا جمعياً فداءً لها”.