سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

ثلاثة أشهر على احتلال مهد الحضارة الميتانية

 وكالة هاوار

مؤلم أن يحيط أعداء الحضارة والإنسانية اليوم بمهد الحضارة الميتانية سري كانيه/ رأس العين،  وأن ينشروا الدمار والموت في أحيائها وقراها،  حيث تتحول مرتعاً لكافة صنوف الوحشية والانتهاكات، والجرائم ضد الإنسانية، والتهجير والتغيير الديمغرافي.
مدينة سري كانيه التي تتعرض منذ احتلالها لسياسة تتريك ممنهجة ومكشوفة، كذلك تعرّض المئات من الأهالي للقتل، كما بينما اضطر الآلاف منهم على النزوح من منازلهم، ولم تتوقف وحشية الاحتلال التركي عند هذا الحد، بل بدأ بعملية تغيير ديمغرافي في مدينتي سري كانيه وكري سبي كما فعل في عفرين سابقاً.
المكانة التاريخية لسري كانيه
تعتبر سري كانيه مهداً لولادة وظهور العديد من الحضارات البشرية على مرّ التاريخ، وعاصمة الميتانيين الذين يعود تاريخهم إلى أكثر من 12 ألف عام.
شطرت اتفاقية لوزان المدينة إلى شطرين بين دولتي تركيا وسوريا، القسم الذي أُلحق بسوريا يسمى سري كانيه أو رأس العين، القسم الملحق بتركيا يسمى جيلان بينار، وتتبع سري كانيه لمقاطعة الحسكة في إقليم الجزيرة، وتتبع لها سبع بلدات وهي كل من مبروكة، تل حلف، مدان، المناجير الصفا وعلوك، وتتميز منطقة سري كانيه بوجود مواقع أثرية أهمها موقع تل حلف الأثري التاريخي الذي يعتبر مهد الحضارة الإنسانية، كما تعتبر من أكثر مناطق كردستان غنى بمخزون المياه.
ومن الناحية الجغرافية تقع سري كانيه على الحدود الشمالية لسورية مع شمال كردستان، ويوجد فيها 360 مجرى لينابيع تنبع من شمال كردستان، لكن  مع بداية الثورة تم قطع منابع ومصادر المياه من قبل دولة الاحتلال التركية عن سري كانيه، وبالتالي جفت مجاري الينابيع.
خلال العصر الآرامي عُرفت سري كانيه باسم “كارارا”، بينما عُرفت في العصر الآشوري باسم “كوزانا” وفي العصر الروماني سُميت بـ “رش عينو” و ’”وعين الورد”.
شهدت سري كانيه ولادة الحضارات الإنسانية الأولى كما شهدت أيضاً العديد من الحروب، حيث كانت ساحة حرب خلال فترات الحكم الآشوري والروماني، والفارسي والبابلي والأكادي والسومري، إضافة إلى فترات الاستعمار العثماني والاستعمار البريطاني والفرنسي، وحكمها العديد من الملوك والأمراء والشيوخ، وكانت لها مكانتها التجارية في العصر العباسي.
وتعتبر سري كانيه نقطة اتصال بين منطقتي الجزيرة والفرات، يعيش فيها الكرد والعرب والشيشان، والتركمان والسريان والأرمن والإيزيديين. ويعتمد سكانها في حياتهم على الزراعة والتجارة.
سري كانيه والانتصار على المرتزقة والتعايش المشترك
خلال الهجوم الأول الذي تعرضت له سري كانيه في شهر تشرين الثاني عام 2012، تصدى مقاتلو وحدات حماية الشعب للمجموعات المرتزقة في ذلك الوقت مثل جبهة النصرة، وأحرار الشام، والسلطان مراد، وغيرهم من المرتزقة.
 وخلال الهجوم مارس المرتزقة انتهاكات وحشية لا إنسانية ضد الأهالي، إلا أنهم تمكنوا مع المقاتلين في نهاية الأمر من تحرير سري كانيه، ومع تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية، ترسخ مفهوم الأمة الديمقراطية في المنطقة، وفي عام 2014 بدأت مرحلة تأسيس الكومينات، حيث تأسست في ريف سري كانيه 128 كوميناً، وسبعة مجالس شعبية، أما في المدينة فتأسّس 65 كوميناً ومجلساً، وفي ناحية زركان تأسّس 86 كوميناً ومجلساً واحداً.
ومع الإعلان عن تأسيس الإدارة الذاتية، بدأ كل مكون يدرس لغته الأم، وافتتحت في سري كانيه 22 مدرسة إضافة إلى 130 مدرسة في ريف المدينة.
هجمات ومجازر ومقاومة الكرامة
المدينة العريقة والمعروفة بغناها وتعددها الثقافي، وبطبيعتها الجغرافية وهويتها الخاصة، تعرضت بتاريخ التاسع من شهر تشرين الأول عام 2019 للهجوم من قبل الدولة التركية ومرتزقتها بحجة إقامة “منطقة آمنة”.
واستخدم جيش الاحتلال التركي كافة أنواع السلاح الثقيل، والطائرات، والتقنيات العسكرية بهدف احتلال المدينة، وتعرضت المدينة لقصف وحشي، وارتكبت قوات الاحتلال خلال الهجوم مجازر بحق الأهالي المدنيين، عبر الغارات الجوية، والقصف بالأسلحة الثقيلة، واستخدام الأسلحة الكيمياوية المحظورة دولياً.
الهجوم الأول استهدف مدرسة الشهيدة روناهي حيث تم قصف المدرسة، وخلال الهجوم وقف أهالي سري كانيه الأصليين إلى جانب مقاتلي قوات سورية الديمقراطية في التصدي للهجوم. وامتدت مقاومة سري كانيه إلى جميع مدن، ونواحي، وقرى، وبلدات شمال وشرق سوريا.
الاحتلال يستهدف قافلة المدنيين
خلال فترة هجمات الاحتلال التركي على مدينة سري كانيه وريفها أصيب العديد من المدنيين، وبسبب الحصار الذي فرضه الاحتلال عليها، ظل العديد من الجرحى عالقين في مشفى المدينة. وبتاريخ 13 تشرين الأول وبهدف إخراج المصابين من الحصار توجهت قافلة من المدنيين من  مختلف مناطق سري كانيه إلى المدينة، إلا أنها تعرضت  للقصف من قبل دولة الاحتلال التركية.
وأثناء توجه القافلة الثانية إلى سري كانيه، والتي كانت تضم العديد من المدنيين والصحفيين، تعرضت للقصف بواسطة الطائرات الحربية، وأسفر القصف عن استشهاد 11 مدنياً بينهم مراسل وكالة هاوار سعد أحمد، ومراسل فضائية جرا  تي في محمد حسن رشو، إضافة إلى إصابة 74 مدنياً بينهم 3 صحفيين، المدنيون الذين كانوا يسعون إلى إخراج ذويهم من المدينة تعرضوا للقصف بمدافع الهاون والأوبيس.
وخلال الهجمات العنيفة والوحشية استخدم الاحتلال التركي الأسلحة المحظورة دولياً من قنابل الفوسفور الأبيض، ما أسفر عن إصابة الطفل محمد حميد 13 عاماً، حيث أعلن الهلال الأحمر الكردي عن إصابة الطفل محمد جراء قنبلة فوسفورية.
قصف الاحتلال التركي ومرتزقته مدينة سري كانيه على مدى 11 يوماً مستخدماً المدافع والدبابات والطائرات الحربية، وكان352 مدنياً شهيداً نتيجة للعدوان. وتمكنت طواقم الهلال الأحمر الكردي، والصليب الأحمر، من الوصول إلى مشفى سري كانيه، وإجلاء جثامين 4 شهداء و30 جريحاً من المشفى.
وبعد ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، تمكنت بتاريخ 17 تشرين الأول من احتلال مدينة سري كانيه. وبحسب الهلال الأحمر الكردي، فإن هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته على مدينة سري كانيه أسفرت عن فقدان 352 مدنياً.
انتهاكات وتهجير وتغيير ديمغرافي
أسفر هجوم الاحتلال التركي على سري كانيه عن تهجير أكثر من 50 ألفاً من الأهالي، وإقامتهم  في المدارس في مختلف مناطق ومدن شمال وشرق سوريا، إلى أن أقامت الإدارة الذاتية في مخيم واشو كاني للنازحين في المنطقة الواقعة بين مدينتي تل تمر والحسكة..
وفيما بعد استقدم الاحتلال التركي عائلات  المرتزقة من أهالي إدلب والغوطة وحمص وأسكنها في حيي محمد والعبرة في سري كانيه، وبحسب مصادر خاصة، فإن 1500 عائلة من عائلات  مرتزقة السلطان مراد ولواء الشام، تم استقدامها من مدينة جيلان بنار، وتوطينهم في سري كانيه. حيث تم توطين هذه العائلات في أحياء الخرابات وحوارنة.
و تستمر عملية توطين عائلات  مرتزقة الدولة التركية في مدينة سري كانيه، ويوماً بعد يوماً تتغير التركيبة السكانية في المدنية، حيث يتم تغيير الأسماء الكردية، و فرض اللغة التركية على أهالي المدنية، وحظر اللغة الكردية، إضافة إلى تغيير أسماء المدارس والمشافي.
أسفرت الهجمات وعمليات القصف البري والجوي عن تدمير عشرات المدارس وحرمان قرابة 24ألف طالب وطالبة من التعليم، فيما عمد الاحتلال التركي إلى تحويل عدة مدارس إلى مقرات عسكرية، وتدريس الطلاب وفق مناهج تركية وباللغتين التركية والعربية.