تزويج القاصرات.. ضحايا للعادات والتقاليد والمواريث الاجتماعية المغلوطة

روناهي/ الشدادي –

“فيما فتيات العالم يتجهن كل صباح إلى صفوف الدراسة، لبست أنا كفني الأبيض واتجهت نحو الجحيم، كنت بعمر الرابعة عشر لم أكن أعرف عن الزواج شيئاً” هذا ماروته إحدى الشابات قصتها مع الزواج المبكر.

يشهد المجتمع في منطقة شمال وشرق سوريا ظاهرة اجتماعية شديدة الخطورة تزايدت بشكلٍ ملحوظ في الفترة الأخيرة، وهي ظاهرة تزويج القاصرات ورغم الجهود الحثيثة التي تبذلها العديد من المؤسسات المعنية في الإدارة الذاتية والمنظمات النسائية بمواجهة هذه الظاهرة ورغم إدراج العديد من الأنظمة التشريعية التي تناهض تزويج القاصرات جريمة وتشديد عقوبة الأطراف التي سهّلت حدوث تلك الجريمة إلا أن هذه الظاهرة لا تزال منتشرة وبكثرة وبعيداً عن أعين القانون، وبعض الأسر تضرب بكل هذه المواجهات ومحاولات التصدي عرض الحائط وتقوم بتزويج القاصرات من بناتهم وحتى الأبناء منهم، بحجة ضغط الحاجة المادية والظروف الاقتصادية وحجج وذرائع أخرى.

“فيما فتيات العالم يتجهن كل صباح إلى صفوف الدراسة، لبست أنا كفني الأبيض واتجهت نحو الجحيم، كنت بعمر الرابعة عشر لم أكن أعرف عن التزويج شيئاً”، بهذه الكلمات بدأت الشابة نور أحمد وهو اسم مستعار اختارته لمنع كشف هويتها من خلال حديثها لصحيفتنا “روناهي”.

وتابعت بالقول: “تزوجت منذ أكثر من سبعة أعوام كان عمري حينها ١٤ عاماً فقط، لم أكن أعرف معنى التزويج، كنت طفلة ألعب وأذهب للمدرسة كل صباح كنت أطمح أن أصبح محامية ولكن فجأةً وعلى غفلة مني انتهى كل شيء.. تحطمت الأحلام بمجرد ارتدائي فستان الزفاف الذي كان يشبه الكفن الذي نقلني من الحياة الدنيا إلى الموت الأبدي”.

وأضافت: “لم أكن مدركة لمدى المسؤوليات التي أوكِلت إلي، فتفكيري كان بريئاً جداً، حيث كان منتهى تفكيري كيف يمكنني الحصول على “دمية” جديدة”.

وزادت: “وبعد ستة أشهر مضت على تزويجي ونتيجة لعدم قيامي بمهام الأسرة، ولعدم نضجي العقلي والفكري نشأت العديد من المشكلات اليومية والتي كانت سبباً مباشراً في وقوع الطلاق المحتوم ولكن الذي منعه حينها نضج زوجي وتفهمه لكل التصرفات الطفولية التي كنت أقوم بها في تلك الفترة نتيجة عدم بلغوي ووصولي إلى سن التزويج القانوي فضلاً عن الحمل الذي حصل في تلك الفترة”.

وتابعت: “مع دخول موعد الولادة تعرضت لنزيفٍ حادٍ كاد أن يُنهي حياتي لولا تدخّل الأطباء حينها، وأضافت: “لم أنسَ ألم المخاض عند ولادة طفلي الأول وأنا في عمر الخامسة عشر كانت لحظات عصيبة جداً لا أنصح أي فتاة بخوض هذه التجربة”.

وعن سبب تزويجها المبكر علقت بالقول: “تشكل المخاوف الاجتماعية لدى بعض الأسر هاجساً يدفعهم للقيام بارتكاب هذه الجريمة التي بالطبع لا تعادل تلك المخاوف، حيث يخشى الوالدين من عدم زواج ابنتهم ودخولها في ما يسمى بالعنوسة، أو الخوف من تعرض فتاتهم لمشكلة لها علاقة بالشرف، كأن تقيم علاقة مع شاب أو يغرر بها أو يتم الاعتداء عليها، وهو الخوف الذي يدفع ولي الأمر إلى سرعة تزويج ابنته القاصر، وكأنه يزيح هذه المخاوف عن رأسه بتزويجها في إشارة منه لوقوعها ضحية للموروثات الاجتماعية في المنطقة”.

وحصلت قبل أشهر قليلة جريمة بحق شابة تبلغ من العمر 18 عاماً، واسمها عيدة حمودي السعيدو، من حي الزهور في مدينة الحسكة بشمال وشرق سوريا، أما عن تفاصيل الجريمة، فإن الفتاة “قُتلت على يد أفراد من عائلتها بذريعة “جريمة شرف”، وهم من عشيرة الشرابيين”. وقرر ذووها قتلها بعد معرفتهم بعلاقة حب تربطها بشاب من المنطقة، وقد تمكن الشاب من الفرار لتواجه الفتاة وحيدةً مصيرها المأساوي”.

وتعتبر هذه الجريمة تأكيداً صريحاً لتشبث أهالي المنطقة بالعادات والتقاليد والمواريث الاجتماعية التي أكدت عليها نور من خلال عرضها لأسباب الزواج المبكر.

ووثّقت منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة، العاملة في شمال وشرق سوريا، 82 حالة لتزويج القاصرات خلال عام 2019 والنصف الأول من عام 2020، في عموم الحسكة ولا تعتبر هذه الأرقام سوى غيض من فيض ففي الأرياف البعيدة وبعض المناطق القروية تحصل سنوياً عشرات الحالات من تزويج القاصرات بعيداً عن أعين القوانين، حيث لا يحتاج التزويج التقليدي سوى لشيخ واثنين من الشهود لعقد الزواج.

وتحاول الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا منع هذه الظاهرة في أماكن إدارتها، وأصدرت قانوناً في عام 2014 مُنعت فيه الزواج دون سن الثامنة عشرة إضافةً إلى وجود مكاتب ومؤسسات وتنظيمات خاصة مثل دار المرأة ومؤتمر ستار يعتني ويهتم بالقضايا الخاصة بالمرأة.