يستمر النضال القانوني في تركيا من أجل الحصول على لقاح فايروس الورم الحليمي البشري (HPV) المجاني المُسبب لسرطان عنق الرحم، “ضمن الدعوة للحق في الحياة”.
عندما علمت الطالبة الجامعية التركية ياغمور فاركال أنها ستضطر لدفع ثمن لقاح يحميها من سرطان عنق الرحم، وجّهت السلطات الصحية إلى المحكمة لاسترداد المبلغ محققةً بذلك نصراً تاريخياً، فرفعت نساء أخريات منذ ذلك الحين دعوى قانونية للمطالبة بالحصول المجاني على لقاحات ضد فايروس الورم الحليمي البشري، والتي توفرها أكثر من 100 دولة للفتيات، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
ويأمل النشطاء في تركيا أن يشكل حكم محكمة أنقرة سابقة تُمهد الطريق للوصول الشامل لهذه اللقاحات، وقالت ياغمور، البالغة من العمر 24 سنة، والتي دعمت معركتها القانونية “جمعية الأطفال والنساء أولاً”، “نحن سعداء للغاية بالنتيجة. لقد ثبتت شرعية قضيتنا، لكننا لن نتوقف، حيث يكمن هدفنا الرئيسي في التأكد من أن اللقاح متاح للجميع”.
ويعد فايروس الورم الحليمي البشري أحد أكثر الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي شيوعاً، ولا يسبب عادةً أي أعراض ويختفي من تلقاء نفسه، لكن الفايروس يمكن أن يسبب سرطان عنق الرحم لدى النساء.
باهظ التكلفة
ويعتبر سرطان عنق الرحم رابع أكثر أنواع السرطانات شيوعاً بين النساء على مستوى العالم، ويودي بحياة حوالي 1250 شخصاً في تركيا كل سنة، وهو تاسع أكثر أنواع السرطانات شيوعاً لدى النساء في تركيا.
اللقاح يُعد باهظ التكلفة بالنسبة إلى معظم النساء والفتيات التركيات، ويصل سعره إلى أكثر من نصف الحد الأدنى للأجور
وتوصلت الدراسات إلى أن تطعيم الفتيات ضد فايروس الورم الحليمي البشري يمكن أن يقلل حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم بنحو 90 في المئة، مما دفع عدداً متزايداً من البلدان إلى تقديم التطعيم المجاني.
لكن تركيا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 مليون نسمة، لم تُدرج بعد لقاح فايروس الورم الحليمي البشري في قائمة التطعيمات التي تقدمها دون مقابل مادي، ولم يعد الكثيرون قادرين على تغطية نفقاتهم الصحية بسبب المشاكل الاقتصادية التي جعلت التضخم يصل إلى أعلى مستوياته في 20 عاماً وقيمة العملة التي انخفضت إلى النصف مقابل الدولار خلال العام الماضي.
ويعدّ اللقاح باهظ التكلفة بالنسبة إلى معظم النساء والفتيات التركيات، ويصل سعره إلى 2372 ليرة تركية (160 دولاراً)، أي أكثر من نصف الحد الأدنى للأجور الشهرية بعد انهيار العملة.
ويختلف الوصول إلى لقاحات فايروس الورم الحليمي البشري في جميع أنحاء المنطقة، ويبقى توفيرها روتينياً في 37 من أصل 53 دولة في المنطقة الأوروبية لمنظمة الصحة العالمية، بما في ذلك تركيا، وتغطي اليونان وأرمينيا وغيرهما تكاليفه بالكامل، بينما يتعين على سكان أوكرانيا وأذربيجان ولبنان وإيران دفع ثمن لقاحاتهم، وفقاً لبيانات من مركز معلومات فايروس الورم الحليمي البشري، وهو مركز معلومات تشارك في قيادته الوكالة الدولية لأبحاث السرطان.
وقدّرت كاندان يوسير، وهي طبيبة وعضو في البرلمان التركي، أن التطعيم ضد فايروس الورم الحليمي البشري لم يشمل أكثر من 1 في المئة من النساء والفتيات التركيات، وقالت: “تعني هذه النسبة أن التطعيم غير موجود، ومن غير المقبول تجاهل هذه الوفيات عندما يمكن إنقاذ الآلاف من الأرواح”.
وقالت ناشطات إن القيم الاجتماعية المحافظة تبقى عائقاً لتوسيع الوصول إلى اللقاحات في تركيا، حيث تعتبر المحادثات العامة حول الجنس أو صحة المرأة من المحرمات.
وقالت زينب، وهي امرأة تبلغ من العمر 36 عاماً من إسطنبول، إنها شعرت “بالغضب والخوف والانزعاج” بعد إصابتها بفايروس الورم الحليمي البشري بسبب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالأمراض المنقولة جنسياً، وتابعت زينب التي طلبت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي: “لمتُ نفسي كوني من عائلة محافظة”، ولكنها أدركت أن العديد من أصدقائها أُصيبوا بالفايروس أيضاً.
مخاطر أعلى للإصابة بالسرطان
ويقول النشطاء إن انتصار ياغمور في العاشر من آذار أمام محكمة في أنقرة على مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تُديرها الحكومة، والتي تموّل الرعاية الصحية بما في ذلك اللقاحات، يشكل سابقة مهمة يمكن أن تؤدي في النهاية إلى وصول واسع النطاق إلى لقاح مكافحة فايروس الورم الحليمي البشري.
وتقدمت أكثر من 25 امرأة إلى المحاكم التركية لاسترداد أموالهن كجزء من دعوى جماعية تدعمها جمعية الأطفال والنساء أولاً، والتي عملت أيضاً مع الصيادلة الذين يضغطون من أجل التطعيم المجاني.
وقال جيم كيليك الصيدلاني الذي يقود حملة التطعيم المجانية: “لم يتبقَ أمامنا سوى هدف واحد: يجب أن يتخذ السياسيون قراراً بإدراج لقاحات فايروس الورم الحليمي البشري في برنامج التحصين الوطني”.
وقالت نيلدا بالتالي، من جمعية الأطفال والنساء أولاً، إن مواجهة النساء لمخاطر الإصابة بالسرطان ستستمر حتى تقديم اللقاح مجاناً، وصرّحت: “تندرج جهودنا ضمن الدعوة للحق في الحياة”.
وأضاف بيان الجمعية أن: “الدولة غير قادرة على حماية حق المرأة في الحياة، ومع تزايد المصابات من النساء، في رأينا أن القتل يكون من خلال عدم الوقاية من شكل من أشكال السرطان له علاج، ونعتقد أن اللقاح يجب أن يكون مجانياً”.
