بوتين…وحلم استعادة الهيبة الروسيَّة في العالم

  حسام اسماعيل  –

 روسيا المتعطشة لقيادة العالم على يد رئيسها الطموح فلاديمير بوتين لا ترى بداً من إقحام نفسها في كل الملفات الساخنة في العالم وأبرزها الأزمة السوريَّة، كل هذا الأمر يأتى بعد الضعف الذي حلَّ بروسيا الاتحاديَّة وريثة (الاتحاد السوفيتي) السابق الذي وقفَ في وجه الغرب دائماً في كل القضايّا التي أصبحت مِحور الصراعات في السابق (كأزمة الصواريخ الكوبيَّة) إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكيَّة والاتحاد السوفييتي، ودعم ومساندة التوجهات الثوريَّة التي تقف في وجه القطب الأخر، فهي حاولت قدر الإمكان إضعاف هذا الدور الى أن سقط الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينات القرن العشرين، وتداعيات هذا الانهيار على وريث النظام السابق، من خلال محاولة تحجيم الدور الروسي في العالم من قبل الدول الغربية، وتحويله من دور هام ومؤثر الى دور هامشي وضعيف لا يتعدى الإقليمي، وإشغالها بحروب مع الجيران كما في القرم وجورجيا وكازخستان وغيرها من الدول المحسوبة على روسيا. وبعد استلام بوتين لسدة الحكم في روسيا يحاول أن يُرجع روسيا كأحد الأقطاب المؤثرة والحاضرة في كل القضايا والملفات التي تُعتبر محور الصراع في العالم.

والأن يُحاول بوتين الرجل القوي لروسيا النفاذ من القوقعة التي يُحاول الغرب تغليف روسيا بها، من خلال جعلها تلعب دور مؤثر في كل الملفات الساخنة على الساحة الدوليَّة كما هو الحال في سوريا، فمنذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011 تدعم روسيا النظام السوري والى هذه اللحظة طبعاً ليس بالمجان أو كما يقال في العاميَّة ( كرمال سواد عيونه)، ولكن لإرجاع دورها كدولة عظمى وإرجاع الهيبة الروسية التي فُقدت خلال العقود الماضية، ومن خلال الدعم العسكري المباشر للنظام السوري على الأصعدة كافة وتعزير القواعد العسكرية للجيش الروسي في سوريا (كقاعدة حميميم)، وقاعدة أخرى في طرطوس على الساحل السوري، وقواعد عسكرية أخرى في البادية السورية، وحتى زيادة تعداد جيشها في سوريا ومستشاريها العسكريين، ربما بدأ سباق ما بعد داعش في سوريا، فكل الأطراف تسعى للحصول على امتيازات على الأرض مع اقتراب حسم المعركة مع داعش والتي حاولت روسيا شرعنة تواجدها العسكرية من خلال التذرع بمحاربة الإرهاب أو التذرع بحماية النظام الحاكم صاحب الشرعية حسب زعمها، لا أحد يستطيع إنكار أن كل الدول العالميّة والإقليميّة المتواجدة على الساحة السورية تُحاول كسب غطاء شرعي لتواجدها المدمر على الأرض السورية، واعتقد بأنَّ هذا الأمر أصبح من الأمور البديهيَّة، ولكن لا يمكن إنكار الواقع وحتميَّة هذا الأمر فالدولة التي تصل الى هذه المرحلة سوف تنال نصيبها من هذا الأمر ودروس التاريخ تثبت ذلك.

ويرى مراقبون أن الخطوة الروسية الجديدة من جانب بوتين، تشير إلى أن مياهاً كثيرة جرت في أنهار سوريا الجافة في الأساس، وأن اتفاقات سرية جديدة أُبرمت، لكن أسرارها تظل تحت الطاولة. ومن جانب أخر تسعى دول إقليمية أخرى الى تثبيت قواعد عسكريَّة في سوريا ايضاً حيث قسمت إيران سوريا إلى خمس مناطق عسكرية إحداها مركزيَّة والبقية فرعية، حيث تخضع كل منها إلى مركز قيادة مختلف، وتوزعت القواعد العسكرية الإيرانية في مطار دمشق الدولي وحلب والقنيطرة، وهناك عدة قواعد فرعية عسكرية إيرانية في عدة مناطق على الأرض السورية، وكذلك الأتراك يقومون بتعزير القواعد العسكرية لجيشهم في الشمال السوري كإدلب وعفرين وغيرها.

وتكشف القواعد الروسية في سوريا عن أمرين، أولهما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غيّر استراتيجيته تماماً، وأصبح يتمترس في سوريا، ولن يقتصر حضوره في المشهد السوري على قاعدة جوية واحدة في حميميم، ولكنه سوف يتوسع براً وجواً في سوريا.

كما تدل على أن موسكو حسمت أمرها في دعم النظام السوري، وستظل تدعمه بلا حدود، كنوع من أنواع فرض الوصاية والهيمنة على الأرض السورية، مهما كانت تداعيات ذلك على المشهد السوري برمته، فروسيا استفادت عدة أمور بالنسبة لتواجدها العسكري على الأرض السورية، أولها تجريب أحدث الأسلحة العسكرية الروسية وبشكل مباشر على الشعب السوري من خلال الغارات الجوية على المدن والبلدات السورية التي أسقطت المئات من المدنيين السوريين وثانيهما زيادة الخبرة العسكرية للعسكر الروسي والذي يتفاخر به بوتين ليل نهار، ثالثاً والأهم لروسيا هو استعادة دورها كأحد الأقطاب المؤثرة في العالم.

وكل هذه القواعد العسكرية المتواجدة على الأرض السورية لن تسفر إلا عن زيادة التوتر والانقسام في سوريا والاستمرار بقتل المدنيين السوريين، والمضي بتدمير البنيَّة التحتيَّة المدمرة أصلاً بعد ثماني سنوات من الحرب الطاحنة نتيجة السياسات والاستراتيجيات المتناقضة بين هذه الدول الى أن يتم الاتفاق على حل للأزمة السوريَّة.