رامان آزاد_
زيارة وُصِفت بأنها مثيرةٌ للجدلِ، بعد مرحلةٍ من المطباتِ السياسيّة، ولكن حربَ روسيا في أوكرانيا فرضت واقعاً جديداً، ليزورَ الرئيس الأمريكيّ السعودية الحليفَ التاريخيّ بالمنطقة ويرمّمَ علاقةَ التنافع ويعيدَ الدفءَ إليها، ويتجاوزَ عقدةَ مقتلِ الصحافيّ السعوديّ جمال خاشقجي، ويطرحَ جملة من القضايا تتمحورُ حول عنوانين زيادةِ إنتاجِ النفط والأمنِ، فيما المقصود بذلك روسيا وإيران.
إعادة توازن خشية الفراغ
تراجع الرئيس بايدن الأمريكيّ عن تعهده خلال حملته الانتخابيّة بجعل السعودية دولة “منبوذة” على خلفيّة سجلها الحقوقيّ ومقتل الصحفي السعوديّ في القنصلية السعودية في إسطنبول في 2/10/2018، وكان من أول أعماله رئيساً رفع السريّةِ عن تقرير مكتبِ مدير المخابرات الوطنيّة الذي قال بأنَّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وافق على تصفية خاشقجي، والتقى الرئيس الأمريكيّ بولي العهد السعودي وصافحه بقبضة اليد، وسارا جنباً إلى جنب يبتسمان، في دلالة لإنهاء حالة القطيعة.
تلك هي البراغماتيّة السياسيّة، لتكن الواقعيّة محرك التغيير، بعدما ركز في حملته الانتخابيّة على حقوق الإنسانِ، ولكنه مع أول زيارة له إلى الشرق الأوسط رئيساً للولايات المتحدة، وعلى خلفية الحرب في أوكرانيا، توصل البيت الأبيض إلى أنَّ الولايات المتحدة بحاجة إلى حليفتها القديمة السعودية إلى جانبها لإنجاح جهودها في معاقبة موسكو اقتصاديّاً، وهي التي تستعدُ لحقبةٍ جديدة من المواجهةِ مع روسيا. قال مستشار كبير سابق لسياسة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية هارون ديفيد ميلر: “الغزو الروسيّ لأوكرانيا أعطى هذه الرحلة تركيزاً أكبر على المنافسة بين القوى العظمى”.
اختتم بايدن في جدة أول جولة شرق أوسطيّة له كرئيس للولايات المتحدة، والتي شملت أيضاً إسرائيل والأراضي الفلسطينيّة، وسعى خلالها لطرحِ رؤيةٍ جديدةٍ للدورِ الأمريكيّ في المنطقة الاستراتيجية التي تعصف بها الصراعات والغنية بمواردِ الطاقةِ، مؤكداً أنَّ واشنطن لن تتخلى عنها، ولخّص مستشار الأمن القوميّ الأمريكيّ جيك سوليفان زيارة بايدن للسعودية وهدفه منها، فقال: إنَّ الرئيس الأمريكيّ بايدن يريد إعادةَ التوازنِ لعلاقاتِ واشنطن مع السعودية.
من جانبها، أشارت سفيرة السعودية بواشنطن، الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود في مقال لها نشر في صحيفة “بوليتيكو” إلى أنّ تحديدَ العلاقةِ الأمريكيّةِ السعوديّةِ من خلالِ نموذج النفط مقابل الأمن عفا عليه الزمن، لقد تغيّر العالمُ ولا يمكنُ حلُّ المخاطرِ الوجوديّةِ التي تواجهنا جميعاً، بما في ذلك أمنُ الغذاءِ والطاقة وتغيّر المناخ، بدون تحالفٍ أمريكيّ سعوديّ فعّالٍ”.
وأكّد الرئيس الأمريكيّ بايدن لقادة الخليجِ ودول عربية أخرى في جدة السبت أنَّ واشنطن “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط حيث تلعبُ منذ عقودٍ دوراً سياسيّاً وعسكريّاً محوريّاً، وقال في لقاءِ قمةٍ مع قادة مجلس التعاون الخليجيّ والعراق والأردن ومصر في ختام زيارته بعدما ناقش الاحتياجات الدفاعيّة للسعودية: “لن نتخلى عن الشرق الأوسط ولن نترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران”.
معلوم أن واشنطن تتقدم في حضورها في الشرق الأوسط على باقي الدول العظمى، والعلاقة السعوديّة الأمريكيّة تعود إلى عقودٍ بعدما وصول آل سعود إلى السلطة في شبه الجزيرة بدايات القرن العشرين، فيما العلاقة السعوديةُ الروسيّةُ أقل عمقاً، وسادها التوتر عقب غزو الاتحاد السوفيتيّ لأفغانستان عام 1979، بالمقابل دعمت الجهود السعوديةُ والأمريكيّةُ “المجاهدين” الأفغان الذين قاوموا الوجود السوفييتي، ولم يتم إعادة العلاقات الدبلوماسيّة بين موسكو والرياض حتى عام 1992.